تونس والحوار الوطني

00:20 صباحا
قراءة دقيقتين

يونس السيد

ارتفعت وتيرة التجاذب السياسي في تونس على نحو بات يهدد التجربة الديمقراطية الأبرز التي ولدت من رحم ما يسمي «الربيع العربي»، لتضع البلاد أمام اختبار جدي قد يترتب عليه إما الحفاظ على هذه التجربة التي لا تزال وليدة، أو الذهاب إلى صدام سياسي مجتمعي من شأنه أن يستنزف البلاد أو يجرها إلى دائرة العنف في ظل أوضاع اقتصادية واجتماعية ومعيشية وصحية متفاقمة، كان يفترض أن تكون على رأس أولويات الدولة ومؤسساتها والقوى السياسية مجتمعة.

التجاذب السياسي لا يتجاهل هذه الأولويات فحسب؛ بل يذهب باتجاه تكريس مكاسب سياسية لصالح هذه الجهة أو تلك، على حساب الاحتياجات والمتطلبات الشعبية التي ترتفع وتائرها في أنحاء مختلفة من البلاد على شكل احتجاجات لشرائح اجتماعية واسعة ضد الفقر والبطالة والغلاء، من دون أن تجد الحلول المناسبة، ولا حتى مجرد الوعود بالعمل على حلها من جانب السلطات المعنية. 

الأسوأ هو أن لا يظهر على سطح الخارطة التونسية سوى صراع متواصل داخل مؤسسات الدولة، وبالأخص في البرلمان، وبين قصر الحكومة في القصبة، والقصر الرئاسي في قرطاج، والذي تستفيد منه وتُغذِّيه حركة النهضة «الإخوانية» لإثبات حضورها في الساحة السياسية والمجتمعية، والتغطية على مشاكلها الداخلية والانقسامات التي تعصف بها والتي تكاد تُطيح بما يسمى زعيمها التاريخي راشد الغنوشي. 

وسط هذا التجاذب الذي وصل إلى حد إجراء تعديل وزاري يتم بموجبه إقصاء وزراء محسوبين على رئيس الدولة، بتحريض «إخواني» مكشوف ليضع رأسا السلطة التنفيذية (الحكومة والرئاسة) وجهاً لوجهة أمام حالة «صراعية»، ويُحدث قطيعة نهائية بينهما، بدلاً من تعاون السلطتين لحل مشاكل البلاد، طرح الاتحاد التونسي للشغل، وهو أكبر منظمة نقابية في البلاد، مبادرة للحوار الوطني سعياً إلى التهدئة وامتصاص الخلافات الداخلية وتوحيد الجهود لحل مشكلات البطالة والفقر ومحاولة التغلب على الأزمة الصحية الناجمة عن جائحة كورونا.

 لكن سرعان ما تبين أن هذه المبادرة تشوبها ثغرات عديدة، حيث استثنت  على سبيل المثال  الحزب الدستوري الحر، ووضعته على قدم المساواة مع كتلة «ائتلاف الكرامة» التي تمتهن العنف والتطرف، مقابل قبول حركة النهضة «الإخوانية» بالانضمام للحوار، على ما يبدو، وهو ما يُضفي شكوكاً كثيرة على قيادة اتحاد الشغل صاحب التاريخ العريق المشهود له في العمل النقابي والنضالي، خصوصاً أنه يقصي من الحوار أهم قوة سياسية تسعى إلى مواجهة «الإخوان» والتصدي لمخططاتهم في زرع الفتن وإثارة الخلافات سعياً إلى الهيمنة على البلاد، وبالتالي يفترض في اتحاد الشغل إعادة النظر في إشراك الجهات المشبوهة في الحوار الوطني، والعمل على محاصرتها وإسقاطها، بدلاً من إضفاء نوع من «الشرعية» عليها، وإفساح المجال أمام القوى الديمقراطية الساعية إلى إخراج البلاد من أزماتها المختلفة. 

هذا على الأقل، ما ينتظره الشعب التونسي، وما يأمله من حوار وطني بات يضع مصير البلاد على المحك.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"