كابوس بايدن الروسي

ديفيد كريمر  *

يواجه الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن تحديات هائلة ربما يكون أكثرها إلحاحاً جائحة كوفيد-19 المستمرة وتداعياتها الاقتصادية.

 لكن عندما يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية، ستكون الصين على رأس قائمة المهام جنباً إلى جنب مع استعادة وتنشيط التحالفات بشدة. ويجب أن يكون التعامل مع روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين على رأس تلك القائمة أيضاً.

 تشكل روسيا تحت حكم بوتين تهديداً وجودياً للولايات المتحدة ودول الغرب الأخرى. ويبدو أن بايدن يتفهم ذلك، لأسباب ليس أقلها أنه كان هدفاً للتدخل الروسي في انتخابات 2020، بما في ذلك حملة تضليل مرتبطة بروسيا تهدف إلى تشويه سمعته هو وابنه هانتر.

 في وقت سابق من هذا العام، كتب بايدن: «لمواجهة العدوان الروسي، يجب أن نحافظ على قدرات «الناتو» العسكرية مع توسيع قدرته على مواجهة التهديدات غير التقليدية، مثل: الفساد المدعوم بقوة السلاح، والمعلومات المضللة، والسرقة الإلكترونية».

 وأضاف: «يجب أن نفرض تكاليف حقيقية على روسيا لانتهاكاتها المتكررة للمعايير الدولية، وأن نقف إلى جانب المجتمع المدني الروسي، الذي وقف بشجاعة مراراً وتكراراً ضد نظام الرئيس فلاديمير بوتين». ويعد بايدن روسيا «أكبر تهديد لأمريكا في الوقت الحالي لجهة تهديد أمنها وزعزعة تحالفاتها».

 من وجهة نظر بايدن على الأقل يتحمل بوتين مسؤولية غزو روسيا لجورجيا المجاورة في عام 2008 وأوكرانيا في عام 2014، وضم شبه جزيرة القرم واحتلال المزيد من الأراضي في هذين البلدين إلى جانب منطقة ترانسنيستريا في مولدوفا. كما يتحمل بوتين المسؤولية عن إسقاط رحلة الخطوط الجوية الماليزية رقم 17 عام 2014 فوق شرق أوكرانيا، والذي أسفر عن مقتل 298 شخصاً على متنها. وهو يدعم القادة الاستبداديين من ذوي التفكير المماثل، بمن في ذلك الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، والرئيس الفنزويلي مادورو.

 وحاولت الإدارات الأمريكية السابقة التوافق مع روسيا. وسعى الرئيس السابق جورج دبليو بوش في نهاية ولايته الثانية إلى إصلاح العلاقات مع بوتين - ولكن بوتين غزا جورجيا بعد ذلك. وحاول الرئيس السابق باراك أوباما «إعادة ضبط الوضع» مع الرئيس الروسي آنذاك - ديمتري ميدفيديف - لكن بوتين غزا أوكرانيا في ولاية أوباما الثانية. وجرب الرئيس دونالد ترامب الدبلوماسية الشخصية مع بوتين لكنه لم ينجح- ويمكن القول: إن العلاقات الأمريكية الروسية وصلت إلى أدنى مستوياتها منذ عقود.

 المشكلة هي بوتين. إنه ببساطة غير مهتم بأي إعادة تفكير في العلاقات الأمريكية الروسية إلا إذا كان ذلك ينطوي على استسلام من جانب واشنطن. طالما ظل بوتين في السلطة، فلا فائدة تذكر من استنفاد الوقت والجهود الدبلوماسية والرئاسية الأمريكية في محاولة تحسين العلاقات الأمريكية الروسية. ومع ذلك، هناك استثناء واحد: الحد من التسلح، حيث تكون للولايات المتحدة وروسيا مصلحة مشتركة في تجديد اتفاقية ستارت الجديدة، والتي تم تجديدها فعلاً. ومثلما كانت الولايات المتحدة قادرة على توقيع العديد من اتفاقيات الحد من التسلح مع الاتحاد السوفييتي بينما كان البلدان يتنافسان خلال الحرب الباردة، يمكن لواشنطن اليوم أن تجد أرضية مشتركة مع موسكو بينما ترى روسيا بوتين كتهديد في كل قضية أخرى تقريباً. والمؤكد أن أياً من البلدين لا يرغب في الانخراط في سباق تسلح مكلف ومزعزع للاستقرار.

 عند التفكير في روسيا، سيكون من الحكمة أن تتعلم إدارة بايدن من أخطاء الإدارات السابقة في التعامل معها. إن الضرر الذي أحدثه بوتين على طول محيط روسيا وما وراء روسيا يتطلب رداً حاسماً من دول الغرب، ويجب على الولايات المتحدة قيادة هذا الجهد، والعمل عن كثب مع الحلفاء في أوروبا وأماكن أخرى وينبغي بشكل أساسي على إدارة بايدن تطوير سياسة الاحتواء.

 ليست هناك حاجة لواشنطن لإعادة التفكير أو إعادة ضبط أو تقديم مبادرات لموسكو. إن التحليل الواضح وسياسة الاحتواء هما أفضل طريقة للتعامل مع التهديد الذي تشكله روسيا بوتين. يبدو أن الحاسة السادسة عند بايدن تدرك ذلك، ونأمل أن يتمسك هو وإدارته بما يرى.

* مدير الدراسات الأوروبية والأوراسية في برنامج «فاكلاف هافيل» (فورين بوليسي)