أمريكا.. و«تغيير النظام» الإيراني؟

00:29 صباحا
قراءة 3 دقائق

ساسان فايزمانش*

أنهت الثورة الإيرانية عام 1979 عهد الشاة وانتهاكاته لحقوق الإنسان، لقد كان الشاه منتجاً غربياً، وتولت رعايته القوى الإمبريالية الغربية طوال فترة حكمه. وفي بلد له تاريخ طويل من المشاعر الشعبية ضد الحكم الاستبدادي، فإن كونك تابعاً للقوى الأجنبية؛ يمكن أن يكون أمراً قاتلاً. ومن هنا كانت هناك انتفاضة شعبية في أواخر السبعينات في إيران؛ لكن الجمهورية الإسلامية التي ظهرت لم تكن أفضل بكثير من الشاه في التسامح مع المعارضة واحترام الحريات المدنية. وفي الواقع، بعد فترة وجيزة من الثورة، كانت أكثر من أربعة عقود من المحاولات من قبل القوى الإمبريالية الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، لإطاحة «النظام» الجديد في إيران.

 واعتمدت محاولات الإطاحة بالجمهورية الإسلامية في الأغلب على العقوبات أحادية ومتعددة الأطراف. وقد تباينت الأسباب المقدمة لهذه المحاولات على مر السنين. ومن بين أمور كثيرة، احتجاز الرهائن، وزعزعة الاستقرار في أفغانستان، وإيواء القاعدة، والافتقار إلى الديمقراطية، والحكم من قبل أفراد غير منتخبين، وانتهاك حقوق الإنسان، وتطوير أسلحة دمار شامل، وتهديد جيرانه، وتطوير صواريخ بعيدة المدى، ودعم «المتمردين» الحوثيين، وزعزعة استقرار الشرق الأوسط.. إلخ.

 واستخدمت إدارة كارتر قضايا أخذ الرهائن وتأميم الصناعات الأمريكية أسباباً؛ لمعاقبة إيران. وعاقبت إدارة ريجان إيران، واتهمتها بزعزعة استقرار المنطقة. واتبعت إدارة كلينتون سياسة تجاه إيران في الأغلب مبنية على النصوص التي كتبتها لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (AIPAC) ومركز الأبحاث التابع لها؛ وهو معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى. وفرضت الإدارة، بمساعدة حلفاء إسرائيل في الكونجرس الأمريكي، أشد العقوبات على إيران على أمل إحداث «تغيير في النظام».

 وأدرجت إدارة بوش، التي كان يسيطر عليها بشدة «المحافظون الجدد»، إيران في «محور الشر» وكانت تأمل في «دحر» إيران بمجرد الانتهاء من السيطرة على العراق.

 ولم تكن إدارة أوباما أفضل من سابقاتها فيما يتعلق بإيران. وفي الواقع، كان الأمر أسوأ في سنواته الأربع الأولى. وفي النهاية، أدرك أوباما أن «تغيير النظام» في إيران ليس بالأمر السهل، وأن اتباع سياسة الدبلوماسية الصارمة؛ قد يؤدي في النهاية إلى حرب ذات نتائج غير مؤكدة.

 وأطاحت إدارة دونالد ترامب بخطة العمل الشاملة المشتركة لأوباما بجرة قلم، وأطلقت مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، حملة «أقصى ضغط» ضد إيران على أمل «تغيير النظام» وكان آخرها اغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني ومساعدة الإسرائيليين على قتل عالم نووي إيراني آخر.

 وحتى الآن لم تنجح أي من المحاولات الأمريكية لإطاحة «النظام» الإيراني. فلماذا؟ لأن بلداً مثل إيران، مع تاريخ طويل من القومية، من الصعب إطاحته مع وجود حكومة ذات عقلية مستقلة، مهما كانت تلك الحكومة استبدادية. فالشعور بالقومية هو الذي تسبب في سقوط الشاه. ومن وجهة نظر العديد من الإيرانيين، إذا كان هناك رجل قوي يحكم إيران، فلا ينبغي على الأقل أن يكون رجل الولايات المتحدة. وإيران تفهم هذا الواقع، وهذا هو سبب أهمية المحافظة على مفهوم «العدو» بالنسبة لها. 

 أما مخطط الرئيس بايدن «لتغيير النظام»، فيتمثل من بين أمور عدة في رفع العقوبات والكف عن حبس الإيرانيين بتهم واهية والتوقف عن اغتيال الإيرانيين . 

 وسيتعين على إيران أن تصبح مسؤولة بالكامل أمام مواطنيها عن أي سوء يواجهه المجتمع وإلا فإنها ستواجه غضب الشعب الذي حارب دوماً الحكم المستبد وسيسعى بنفسه لإسقاط النظام.

* أستاذ فخري للاقتصاد في جامعة ولاية كاليفورنيا ( فريسنو)، ومؤلف كتاب «احتواء إيران» (كاونتر بانش)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أستاذ فخري للاقتصاد في جامعة ولاية كاليفورنيا ( فريسنو)، ومؤلف كتاب «احتواء إيران»

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"