الفقراء وحرب اللقاحات

00:25 صباحا
قراءة 3 دقائق

باستثناء مبادرة إماراتية لنقل لقاحات كورونا للدول النامية،والمساهمة في نقل ملياري جرعة فليس هناك شيء ملموس
«ليس من العدالة أن يحصل الشباب الأصحّاء في الدول الغنيّة على اللقاحات قبل أولئك الأكثر عرضة للخطر في الدول الفقيرة»، هذا ما قاله تيدروس أدهانوم جيبريسوس، المدير العام لمنظمة الصحة العالمية. ويأتي هذا التحذير بعد أن توصّلت عدد من الشركات إلى إيجاد لقاحات مضادة لوباء كورونا، بل إن بعض البلدان المتقدمة بدأت بتوزيعها، لكن العديد من البلدان الفقيرة لا تزال غير مدرجة على قوائم التوزيع، أو أن كمية اللقاحات المخصصّة لها محدودة، وهذا يعني أن شعوبها ستستمرّ في حالة قلق من الجائحة، فضلاً عن تدهور الحالة المعيشية بسبب الركود الاقتصادي والإجراءات الاستثنائية بالحجر.
ومنذ أن أُعلن عن اكتشاف الوباء في مدينة ووهان الصينية، ظل العالم يتطلّع إلى السيطرة عليه واكتشاف لقاح لمعالجته، واليوم، وبعد مرور عام تستقبل هذه المدينة التي كانت مصدراً للوباء وفداً رفيعاً من خبراء منظمة الصحة العالمية، لمعرفة حركته، وأسبابه، وتحوّلاته، وهي خالية منه تماماً، فاتحة شوارعها وأسواقها ومتاجرها ومطاعمها لهل، حيث لا كمامّات ولا حجر صحي، بل بمعارض فنية تؤرخ لفريق الأطباء الذي شارك في الحملة للقضاء على الوباء، فقد عمل التنين الصيني بتفانٍ وعلمٍ وإرادة للقضاء عليه، في حين تفشى عالمياً مُنزلاً الإصابة بأكثر من 100 مليون إنسان، وما زاد على مليونين من الوفيات.
وفي الوقت الذي استطاعت فيه الصين توظيف كامل قدراتها لتطويق الوباء وحصره في أضيق نطاق، وأنتجت لقاحاً فعّالاً للقضاء عليه، مثلما اعتمدت آليات سليمة جاءت بنتائج إيجابية، فإن العالم لا يزال يغرق في حالة من الرعب والحزن والعزلة حتى بعد اكتشاف لقاحات بريطانية، وأمريكية، وروسية، لكن نسبة الإصابات أخذت بالتعاظم خصوصاً بتحوّل الفيروس، وتندلع صراعات حول أحقية من لهم الأولوية في التلقيح، ودخل الاتحاد الأوروبي في نزاع مع شركات بريطانية بسبب تأخرها في توفير اللقاح الذي تعاقدت عليه، كما منع تصدير اللقاحات التي تنتج على أراضيه من دون ترخيص مسبق، لكن بروكسل تراجعت عن قرارها، علماً بأن بريطانيا تستورد لقاحات «فايزر» من بلجيكا، وتزعم الشركات البريطانية أن خللاً ما حدث في مصانعها أدّى إلى مثل هذا التأخير، وفي الجانب الآخر ينظر الاتحاد الأوروبي إلى اللقاحات الصينية والروسية بنظرة لا تخلو من التشكيك في جديتها، باعتبارها أقل فعالية من اللقاحات البريطانية والأمريكية، فما بالك باللقاح الكوبي الذي أُعلن عنه مؤخراً؟ والسبب ليس طبيّاً بالطبع، وإنما دوافع تتعلق بالمنافسات التجارية والتحالفات السياسية ومدى تحقق الأرباح من جهة أخرى.
أما العالم الثالث، خصوصاً الدول الفقيرة، فإن حظوظها قليلة في الحصول على اللقاحات، بسبب تفضيل الدول الغنية وشروطها، فضلاً عن ضعف الشعور بالمسؤولية إزاء القيم الإنسانية المشتركة المتجسدة في مبادئ العدالة والإنصاف والمساواة والشراكة، وباستثناء مبادرة إماراتية لنقل لقاحات كورونا للدول النامية، حيث أعلنت شركة الإمارات للشحن ومطارات وموانئ دبي عن تحالف لوجستي بينها واستعدادها للمساهمة في نقل ملياري جرعة، فليس هناك شيء ملموس يُذكر.
إن السلوك الاستعلائي إزاء البلدان الفقيرة يعكس الأنانية المتنكّرة لأبسط علاقات الاجتماع والتضامن والتكافل الإنساني، فضلاً عن أنه ينمّي روح الكراهية والتمييز، ويغذّي عوامل التعصّب ووليده التطرّف المنتجين للعنف والإرهاب، من دون اكتراث من جانب الشركات المصنّعة للقاحات، وغير المعنية بعدد المصابين، وبعدد الموتى بسبب الوباء، بقدر ما هي معنية بالأرباح التي ستحققها، وبالدول التي يمكنها شراء هذا اللقاح بالأسعار التي تريدها وبالسرعة التي تعمل عليها.
لقد تمنّى جيبريسوس أن يكون العالم توصل إلى توزيع أكبر عدد من اللقاحات على جميع البلدان بعدالة قبل حلول يوم الصحة العالمي 7 إبريل/ نيسان، فالحق في الصحة هو حق أساس من حقوق الإنسان، وعلى الدول الغنية احترام هذا الحق لجميع البشر، وهو واجب على جميع البلدان بالقدر نفسه، وإذا كانت الدول الغنية تمتلك المال الكافي لتأمين اللقاح، فعليها مساعدة الدول الفقيرة في الحصول عليه.
وقد آن الأوان لوضع حد لنظام اللاّعدالة على المستوى العالمي، خصوصاً حين تساعد الدول الغنية الدول الفقيرة، كي يتمكّن العالم من مواجهة، أو كسر سلسلة العدوى لكورونا، بتوزيع اللقاحات على الجميع وفقاً لأولوية من يحتاج إليها، بغض النظر عن وضعه الاجتماعي، ودينه، وقوميته، وجنسه، ولونه، ولغته، وتلك عدالة الطبيعة التي خلقت البشر سواسية بالكرامة والحقوق.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أكاديمي ومفكر وكاتب عراقي، وهو نائب رئيس جامعة اللاّعنف وحقوق الإنسان (أونور) في بيروت. له مساهمات متميّزة في إطار التجديد والتنوير والحداثة والثقافة والنقد. يهتم بقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان والمجتمع المدني والأديان، والدساتير والقوانين الدولية والنزاعات والحروب. صاحب نحو 70 كتاباً ومؤلفاً.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"