كيف خسرت إسرائيل حرب وسائل التواصل الاجتماعي؟

00:23 صباحا
قراءة 3 دقائق

فقط بعد أن يهدأ غبار الحرب، وتتم معاينة الأنقاض، وإحصاء الجثث، حينها يمكن للمرء أن يقيّم النتيجة الفعلية لعدوان ما. بعد أحد عشر يوماً من الهجوم المكثف على ما تزعمه الاستخبارات الإسرائيلية أنها مواقع تختبئ فيها قوات المعارضة، استيقظت غزة على حجم الضرر، فقد تمت تسوية المباني التجارية والأبراج السكنية وآلاف المنازل بالأرض، فضلاً عن استهداف مقار لمؤسسات إعلامية. وبحسب مسعفين فلسطينيين، قُتل 243 شخصاً خلال القصف، من بينهم 66 طفلاً، إلى جانب نزوح عشرات الآلاف من المدنيين. أما حصيلة القتلى على الطرف الإسرائيلي فهي 13.
فقدان أرواح بريئة، أياً كانت، أمر محزن على الدوام، لكن كما هي طبيعة التحليل والالتزام بالنقد، فإن المقارنة بين الخسائر مطلب. رداً على ما جرى من محاولة إخلاء منازل الفلسطينيين بشكل غير قانوني في حي الشيخ جراح بالقدس الشرقية، وإيواء أفراد من الجالية اليهودية مكانهم، أُطلقت صواريخ على إسرائيل التي استطاع جيشها مواجهتها وتفكيكها باستخدام القبة الحديدية، وهي إحدى أكثر أنظمة الدفاع الجوي تطوراً في التاريخ البشري. تمتلك إسرائيل أحد أقوى الجيوش في العالم، وبعد أن استشاطت غضباً من هذا الانتقام، شنت هجوماً على غزة التي يعيش فيها قرابة مليوني شخص محاصرين داخل حدود لا يُسمح لهم بالخروج منها، وهو مكان لا يمتلك أي بنية تحتية دفاعية حربية، أي لا مخابئ أو ملاجئ تقي السكان من الصواريخ والقنابل.
كان منطق الحكومة الإسرائيلية هو إخماد نيران شمعة بخرطوم حريق. وفقاً للحقائق والأرقام الموجودة في الكتب، فإنه في أي معركة غير متكافئة يخرج منها دائماً الطرف الأقوى بأضرار لا تكاد تذكر، لكن هذه المرة اختلف الأمر، فقد كان هناك عامل إضافي، يبدو أن الحكومة الإسرائيلية غضت الطرف عنه عند اتخاذ قرارها بقصف غزة. هذا العامل هو انطلاق حركة عالمية هائلة مؤيدة للفلسطينيين نتيجة هذه الحرب بالمقارنة مع الحروب الماضية، فقد خرج الناس من جميع الأعراق والأديان والجنسيات في احتجاجات إلى الشوارع بصورة لم تحدث من قبل. بدا وكأن العالم بدأ أخيراً يفتح عينيه على الظلم المتواصل على غزة وشعبها، وللمرة الأولى بدا أن الجانب الإنساني لهذه الحروب يلقي بظلاله على الأسباب السياسية لها.
كان المتغير الحاسم هو قوة وسائل التواصل الاجتماعي في إذكاء نيران الحرب خارج حدود هذه المنطقة السريعة الاشتعال. أظهرت مواقع التواصل الاجتماعي صوراً لسماء غزة المضاءة بألسنة اللهب، وسمع العالم أصوات القنابل التي تنهال على مواطنيها كالمطر، وكشفت عن حجم الدمار بصورته الحقيقية وتوقيت حدوثه بشكل توجّب على الجميع رؤيته، وأعرب العديد من مشاهير وسائل التواصل الاجتماعي عن مخاوفهم جراء حذف منشوراتهم المؤيدة للفلسطينيين أو تلقي نسبة مشاهدة منخفضة جداً مقارنة بمنشوراتهم الأخرى، وكان رد عملاقي وسائل التواصل الاجتماعي «فيسبوك» و«إنستغرام» على ذلك بأن الأمر يعود إلى خلل في النظام البرمجي يبدو أنه مستمر، ولسبب ما غير قابل للإصلاح، لكن مع ذلك، ما شهدناه هو قوة الناس عندما يوجهون عقولهم نحو تحقيق العدالة والمطالبة بالمحاسبة، وبالتالي، كلما كان من الصعب عليهم نشر آرائهم على منصات التواصل الاجتماعي كلما حاولوا نشرها بجهد أكبر، فلم يكن هناك ما يوقفهم.
ربما يكون الجيش الإسرائيلي قد انتصر في المعركة، لكنه خسر الحرب لأن فهم العالم للقضية الإسرائيلية - الفلسطينية توسّع ليشمل مقارنة بين الكلمات المنطوقة على المنابر الإعلامية وواقع المعاناة على الأرض. أثبتت القبة الحديدية أنها عديمة الفائدة أمام قبة وسائل التواصل الاجتماعي التي يديرها الناس، حيث عملوا بثبات وعزم لأجل حماية أرواح الأبرياء المحاصرين وسط تبادل نيران لا معنى له.
نجح المنطق السياسي - وقد امتد نجاحه لقرون عدة - على تبرير الأفعال الخطيرة التي تقوم بها الحكومات، وبذلك تتم مشاهدتها في وسائل الإعلام وانتقادها وتحليلها في حدود المنافع والتكاليف الخاصة بهذه الحكومات. ما فعلته صحافة المواطن بمساعدة وسائل التواصل الاجتماعي هو القضاء على السياسيين والخبراء، وترك الأمر أمام الإنسانية لاتخاذ القرار، وحقاً كان الرد مبهراً، فقد أظهرت الاستجابات الإنسانية أن صمت العالم تجاه ما يحدث ربما كان حذراً و ليس خوفاً، وبثّت بعضاً من الأمل في مستقبل لم يعد بإمكانه أن يقف على الحياد، بينما تسفك دماء الأبرياء، ولا يمكن له أن يتأثر بالحجج الموضوعة لجعل الإنسانية مشروطة، فالإنسانية غير مشروطة، ويجب ألا تكون كذلك في مواجهة المكاسب السياسية والمالية والشخصية.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​رئيس تحرير صحيفة Gulf Today الإماراتية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"