ما بعد القمة الأمريكية ــ الروسية

00:33 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. خليل حسين*

قبل ساعات من انطلاق القمة الأمريكية  الروسية في جنيف، أعلنت موسكو عن عزمها تسليم طهران قمراً صناعياً متطوراً، وهو ببساطة إشارة واضحة الى مستوى المباحثات بين الطرفين، التي استغرقت ترتيباتها زمناً ليس بالقليل، وهو نتاج استعار حرب باردة متجددة وسط سياق جديد لسباق تسلح دفع فيه الطرفان أثماناً باهظة، من بينها انهيار الاتحاد السوفييتي نتيجة هذا السباق، وفي أي حال من الأحوال، لا يبدو أن هذا الملف هو الذي سيحكم طبيعة العلاقات في أجواء فيها الكثير من أسباب وخلفيات التوتر بين الطرفين.

 القمة التي استغرقت خمس ساعات كجولة واحدة دون تقسيمها كما كان مفترضاً، تدل على رغبة الطرفين في أن تكون النتائج المبدئية سلة واحدة، بخاصة أن مستوى الربط للكثير من القضايا من الصعب فصل إدارته في أجواء دولية ضاغطة، تشي بصعوبة تقديم تسهيلات إن لم تكن تنازلات إلا في أطر دقيقة ومدروسة تماماً. 

 وبالعودة إلى استراتيجيات الطرفين ومنها وثيقتا الأمن القومي الروسي والأمريكي، فإنها تظهر تمسكاً حاداً بالمواقف في القضايا ذات الصلة بالمسائل الحيوية، وكذلك بالعلاقات المتعددة الأطراف التي ينسجها الطرفان في غير قضية إقليمية. وبصرف النظر عن حساسية تلك الملفات ظلت أجواء القمة مقتصرة بشكل عام على المسائل البينية، وهو أمر طبيعي في ظل لقاء أول بين الطرفين بعد تسلم بايدن مقاليد السلطة في واشنطن في يناير/ كانون الثاني الماضي، ومن أبرزها قضايا حقوق الإنسان التي تتعامل بها واشنطن مع موسكو كالضرب على اليد التي توجع (قضية نافالتي)، وسباق التسلح واتفاقية الحد من انتشار الأسلحة النووية المتوسطة الأخيرة، التي تعتبر امتداداً لاتفاقيتي «سالت 1» و«سالت 2» لعام 1970 اللتين كانتا تتجددان كل خمس سنوات، إضافة إلى الهجمات السيبرانية التي نفذت مؤخراً على مؤسسات رسمية أمريكية، والتي تتهم بها موسكو.

 ثمة قضايا إقليمية ودولية وإن لم يُشر إليها بوضوح كانت جزءاً من اللقاء، بالتأكيد سيطرت على مناخات القمة، من بينها الأزمة الاقتصادية العالمية في ظل جائحة كورونا، إضافة إلى العقوبات الاقتصادية الأمريكية على روسيا، التي تعتبر مؤشراً واضحاً على العلاقات المربكة بين الطرفين والتي لم تجد حلاً خلال السنوات الماضية.

 إن أبرز ملفين يقلقان واشنطن حالياً هما مفاوضات البرنامج النووي الإيراني وبرنامج الصواريخ البالستية، وهما ملفان يلقيان بشكل أو بآخر بيئة روسية حاضنة، باعتبارهما ورقتين إضافيتين في مواجهة الضغوط الأمريكية حيث يمكن الاستثمار فيهما سياسياً في غير منصة إقليمية ودولية. إضافة إلى ازدياد منسوب الاستثمار الروسي في التدخل العسكري في الشرق الأوسط عبر البوابة السورية، وهو بيت القصيد في ترتيب أسس العلاقات بين الطرفين، على اعتبار أن الشرق الأوسط يشكل مجالاً حيوياً واستراتيجياً للسياسات الخارجية الأمريكية ومستوى تحالفاتها مع العديد من الدول الوازنة في المنطقة التي تقيم معها واشنطن شراكات استراتيجية.

 لا شك أن لقاءً أول بين الرئيسين بعد توتر ملحوظ لن يكون قادراً على استيعاب مجمل المشاكل ووضع أطر قابلة للحل، إنما يشكل بداية مقبولة نسبياً لتكوين بيئة مقبولة لمسارات يُبنى عليها لاحقاً، وما يعزز تلك الرؤى والخطوات هو الاتفاق على عودة السفيرين الروسي والأمريكي إلى واشنطن وموسكو، بعد تبادل طرد الدبلوماسيين وسحب السفراء بين الطرفين سابقاً.

 يبدو مبدئياً أن لقاء القمة أسس لبيئة نوايا حسنة للعلاقات بين الطرفين، إلا أن إجراءاتها التنفيذية مرهونة بالعديد من القضايا الحساسة التي تتطلب تفاهمات دقيقة تصل إلى حد التراجع أو حتى التنازل عن مواقف ومشاريع متبادلة كانت من بين الأسباب الرئيسية لتوتير العلاقات بين الطرفين.

* رئيس قسم العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في القانون الدولي .. رئيس قسم العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية واستاذ القانون الدولي والدبلوماسي فيها .. له أكثر من 40 مؤلفاً ومئات المقالات والدراسات البحثية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"