تحديات الحكومة اللبنانية

00:55 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. خليل حسين *

ليست سابقة أن يستهلك تكليف وتشكيل الحكومة في لبنان وقتاً غير اعتيادي، لكن الجديد في القضية التوقيت والتركيبة كما الظروف الداخلية والخارجية. فقد ولدت بعد ثلاثة عشر شهراً، فيما عمرها الافتراضي لن يتعدى الثمانية أشهر، وفعلياً، أقل من ذلك، بالنظر إلى الاستحقاقات التي ستتقاطع وعملها.

ثمة الكثير من الثقل الخارجي الذي انتج ظروفاً ضاغطة جداً والتي أجبرت الفرقاء الداخليين على القبول بتسوية هلامية غير معروفة لا الحدود ولا التوازنات التي أنشئت في حكومة ثلاثية الأضلع لا يدعي كل منهم امتلاكه مفاتيح الحل والربط عبر ما يسمى الثلث المعطل، فيما ثمة توازنات دقيقة ومقنعة تتيح خلط الأوراق في معرض ممارسة السلطة، وبالتالي إمكانية التعطيل، أو في أحسن الأحوال ممارسة الضغوط للوصول إلى قرارات تتوافق ومصالح من يمارسها، وهي حالات معتادة في الحياة السياسية اللبنانية، وسبق أن جُرّبت وعطلت سياسات حكومية وأسقطت بعضها.

وفي أي حال من الأحوال، ستواجه الحكومة تحديات كبرى لا طاقة لها عليها، فثمة انهيار مالي واقتصادي وفقر وعوز اجتماعي، وشبه تحلل في مؤسسات الدولة، ومطالب دولية لا مجال للهروب منها، كبرامج الإصلاح المطلوب البدء بتنفيذها كشرط أساسي للبدء بالمنح والمساعدات والقروض المالية والاستثمارات الأجنبية، وهو شرط رئيسي وضعته المؤسسات المالية الدولية وأصحاب القرار فيها في عمليات إعادة رفع لبنان من الهوة التي سقط فيها.

فلبنان يقبع حالياً في حالة ارتطام مالي واقتصادي ضخم، يستلزم عمل مؤسسات دولية ذات فعالية عالية جداً، وهو ما تمسك قراراتها دول محددة، ويبدو أن مواقفها ومصالحها تقاطعت حالياً على وضع لبنان على الخريطة مجدداً، لكن في أطر وحدود متفق عليها سلفاً بين واشنطن وباريس، من بينها البرامج الإصلاحية، وفي طليعتها رفع الدعم عن الكثير من السلع التي كانت مجالاً واسعاً للفساد في الحياة السياسية اللبنانية، وهذا ما ستمشي به الحكومة العتيدة في بيانها الوزاري الذي أشار إليه رئيسها نجيب ميقاتي، في تصريحه الأول حول رفع الدعم عن سلع حيوية تطال شرائح واسعة، وتصيب طبقات شعبية محددة باتت مسحوقة.

وإلى جانب التحديات المالية والاقتصادية والاجتماعية ثمة تحدي إعادة تركيب موقع لبنان الإقليمي والدولي، ورسم سياسات خارجية تتوافق مع الفاعلين الإقليميين والدوليين، وهو أمر ليس من السهل تنفيذه إن وجدت النية لذلك، وقبل كل ذلك هل لا يزال لبنان قادراً على إعادة تموضعه وإثبات دوره؟ كلها أسئلة تبحث عن إجابات صعبة التحقق في وقت دقيق وغير مناسب، إقليمياً ودولياً، فهل ستتمكن باريس من فرض برامجها وتطلعاتها السياسية بعد المالية والاقتصادية؟ وهل سيتمكن لبنان من تجاوز العُقد التي لا تعد ولا تحصى في رسم موقع مفقود منذ عقود خلت؟

في المقلب الآخر، من بين المهام الرئيسية التي ستحاول الحكومة إنجازها، إجراء الانتخابات النيابية التي تعتبر مفصلاً رئيسياً في الاستحقاق الرئاسي، وهو لغم كبير ستواجهه على قاعدة أي قانون انتخابي ستعتمده، وهو أمر مختلف عليه بين اللبنانيين، لم تتمكن حكومات سابقة كثيرة من الوصول لقانون مرضي عنه، إضافة إلى أن ثمة شكوكاً كثيرة تحوم حول القدرة على إنجازها، وعدم الدخول في متاهات الفراغ البرلماني والرئاسي.

لبنان القابع في ظروف غير مسبوقة يحتاج إلى علاجات استثنائية يشك الكثيرون في قدرة هذه الحكومة على الولوج فيها، من دون دعم خارجي واضح وكبير، مصحوب بقدرة اللبنانيين على تحمل التقشف الشديد لمرحلة طويلة لتجد ملامح إعادة تموضع جديد.

وفي أي حال من الأحوال، ستواجه الحكومة الكثير من المصاعب التي يصعب عليها تجاوزها من دون كُلف عالية، ورغم ذلك، لا مجال أمام اللبنانيين وحكومتهم إلا الصمود واجتراح المعجزات في وقت ينشغل العالم أجمع بمشاكل وهموم كبرى يهرب منها ولا ينقصه هموم، ولا كُلف إضافية.

* رئيس قسم العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في القانون الدولي .. رئيس قسم العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية واستاذ القانون الدولي والدبلوماسي فيها .. له أكثر من 40 مؤلفاً ومئات المقالات والدراسات البحثية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"