توجّهات لاستدامة خدمات التوصيل والخدمات اللوجستيَّة

22:35 مساء
قراءة 3 دقائق

نور سليمان *
من الواضح والمرتقب أن الجائحة متجهة للانحسار، وأن العالم أصبح أكثر استعداداً وتركيزاً على فترة ما بعد «كوفيد-19». ويتّجه المشهد العالمي لقطاع خدمات التوصيل والخدمات اللوجستيَّة نحو تحوّلات وتغيّرات باقية ومُترتبة من إجراءات الإغلاق التي استمرت العام الماضي؛ وذلك مع تعليق الرَّحلات الجوّيّة وإغلاق الحدود، مما ألزم باتخاذ تدابير سريعة للتكيّف مع الوضع الجديد. وتسارعت وتيرة تبنّي اتجاهات وسبل مبتكرة، لتعزيز استدامة الأعمال؛ وذلك بالتزامن مع تنامي التّجارة الإلكترونيَّة والارتفاع المفاجئ للطلب على معدّات الوقاية الشّخصيّة وغيرها من الضروريَّات اللازمة، والذي كان منها إطلاق اللقاحات المضادة لفيروس كورونا في جميع أنحاء العالم.

وبينما يتحرّك العالم للقضاء على «كوفيد-19» والوصول لحقبة ما بعد الجائحة، توجد مؤشرات توضّح أن الاتجاهات والتَّقنيَّات والابتكارات الجديدة ستسهم بتحقيق عوائد مستدامة تتجاوز تحديات وتأثيرات الجائحة.

التّجارة الإلكترونيّة وخدمة توصيل المِيل الأخير

تعد التّجارة الإلكترونية من أبرز المستفيدين من الجائحة؛ وذلك نظراً لإغلاق المتاجر وانتشار المخاوف الصّحيّة. وحظي مفهوم التسوّق عبر الإنترنت بشعبيَّة أوسع بين الجمهور؛ حيث نجح باستقطاب شرائح جديدة من المستهلكين الذين باشروا التَّسوُّق الإلكتروني بدافع الضُّرورة، ومن المرجّح أن يستمروا على ذلك خاصة بعد إلمامهم بمدى سهولة هذا الأمر. وبهذه المعادلة، سيتمكن تجار التَّجزئة الذين انتقلوا للبيع عبر الإنترنت من الوصول إلى أعداد أكثر من العملاء الجدد، مما سيجعلهم يواصلون الاستثمار في قنوات البيع الإلكتروني حتى مع إعادة فتح المتاجر.

وتم استلهام خدمات التَّوصيل الجديدة من الجائحة، ومن الحاجة إلى خيارات آمنة ومُعززة بخيارات التباعد الاجتماعي. فعلى سبيل المثال، ازدادت شعبية خيار الشِّراء عبر الإنترنت والاستلام من المتجر وخيار الاستلام على جانب الطَّريق، ومن الملاحظ أيضاً أنَّ خزائن الطُّرود أصبحت شائعة كذلك بسبب مرونتها في العمليَّة والرَّاحة التي تتمتع به. وقد ساهمت هذه الخيارات بتعزيز تجربة العملاء وزيادة الولاء للعلامة التِّجاريَّة؛ وذلك إضافة إلى منحهم مساحة أكبر للاختيار بين الخدمات؛ حيث يبقى سقف التوقعات عالياً لخدمة تَّوصيل المِيل الأخير.

الابتكار التِّكنولوجي

تتطلع شركات الخدمات اللوجستيَّة لتحقيق مستويات أعلى في الإنتاجيَّة والأداء من خلال الابتكار التِّكنولوجي، كما تؤمن بأن هذه الابتكارات ستطوّر من تميّز رحلة العميل. ويتم حالياً اعتماد التِّقنيات الحديثة كالذَّكاء الاصطناعي والأجهزة الآلية في المهام التَّشغيليَّة مثل: انتقاء البضائع والسِّلع وتعبئتها في الأماكن المخصَّص لها بالمستودع، وكذلك تعزيز التَّخطيط الاستراتيجي والتَّنبُّؤِ لتحسين وتطوير كفاءة سلسلة التَّوريد وخفض التكاليف. وتمَّ أيضاً اعتماد تقنيات وفق استراتيجيَّات معيَّنة خلال الجائحة للمساعدة في تطبيق التَّباعد الاجتماعي في المستودعات، فعلى سبيل المثال، تُستخدم أنظمة نقل البضائع من الآلة إلى الموظف بطريقة فعَّالة لزيادة الإنتاجيَّة وإدارة المستودعات وتطوير كثافة التَّخزين. وتمتاز هذه التقنيات بكونها متطوّرة واقتصادية من حيث الكلفة، وذلك إضافة إلى إمكانية إعدادها لتتكيَّف للعمل في أي نوع من المستودعات بالمستقبل.

استدامة الاستدامة

اكتسبت الخدمات اللوجستيَّة المستدامة رواجاً أثناء الجائحة العالميَّة، وقد أصبح المستهلكون أكثر وعياً بالتَّأثير البيئي للتَّسوّق عبر الإنترنت؛ إذ إنَّهم يعيدون تقييم عادات التَّسوّق الخاصّة بهم، ويبتعدون عن العلامات التّجاريّة غير المستدامة. وتوجد مسؤولية كبيرة على الشَّركات التي يشتري منها المستهلكون؛ حيث يُتوقع منها المساهمة في تقليل النّفايات عبر سلاسل التّوريد، سواء كان من خلال مواد التغليف أو عبر استخدام المركبات الكهربائيَّة أو عبر السبل الأخرى لتقليل بصمات الكربون؛ لذلك، من المتوقع أن تحظى سلاسل التَّوريد بأولوية أكبر لتحقيق الكفاءة التّشغيليّة والمحافظة على البيئة معاً؛ وذلك من خلال: الحدّ من النّفايات، والتّوريد المسؤول، وكفاءة استخدام المياه بالشّكل الصحيح، وكذلك خفض انبعاثات الغازات المُسببة للاحتباس الحراري.

تحوّل B2B

يمرّ قطاع B2B بتحوّل مكثّف، فعندما ظهرت الجائحة ولم تتمكّن الشّركات في أوروبا وأمريكا من إيصال سلعها وبضائعها إلى الصّين، لاحت ضرورة التحوّل الرقمي لعمليَّات التّوريد بقطاع B2B لجعلها أكثر مرونة وقدرة على التَّكيّف. ويشهد أسلوب البيع في B2B تغيّراً ملحوظاً؛ حيث يتَّخذ القطاع نهجاً رقمياً مدفوعاً بالإمكانات الشابة، التي تتولّى أدواراً رئيسية في صنع القرارات.

النّهج القائم على البيانات

عدم القدرة على التَّنبّؤ بالجائحة عَكَس سوء تجهيز بعض سلاسل التّوريد للتَّعامل مع المشاكل الاعتياديَّة، وأكَّد أهمية اعتماد «النّهج القائم على البيانات» للحفاظ على مرونة عملها بشكل أفضل. وكلّما ازدادت بيانات سلاسل التّوريد ازدادت كفاءة عمليَّات التَّخطيط للعمليَّات المعقّدة كعمليَّات التّسليم عبر الحدود؛ وذلك من خلال إتاحة الرؤية الكاملة لحركة البضائع.

* الرّئيس التّنفيذيّ لشركة دي إتش إل إكسبرس في الشّرق الأوسط وشمال إفريقيا

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

الرئيس التنفيذي لشركة «دي إتش إل» لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"