سقف الدين الأمريكي وعملة التريليون دولار

22:01 مساء
قراءة 4 دقائق

كالفن وودورد *

في الوقت الذي تدور فيه الكثير من النقاشات حول المستوى الذي وصلت إليه الديون الأمريكية، يعتقد بعض السياسيين بأنهم وجدوا الحل السحري لهذه الأزمة، وذلك عبر سك عملة معدنية تبلغ قيمتها تريليون دولار أمريكي واستخدامها كنوع جديد من الأسلحة النقدية التي يمكن توجيهها أيضاً نحو الخصوم الجمهوريين. ورغم ذلك فإنه حتى المؤيدين لهذه الفكرة الخيالية، يقولون إنها وسيلة للتحايل، وأنها طريقة تجمع بين الغرابة والسذاجة للخروج من أزمة تتعلق بالأنظمة المحاسبية التي ستكون لها آثار سلبية كبيرة على الحسابات الفردية للناس في مقبل الأيام في حال لم يتم التعاطي معها.

وفي خضم الجدية التي أظهرها البعض حيال هذا الأمر وإمكانية تحقيقه مستقبلا، هنالك بعض الأسئلة التي تطرح نفسها بقوة، فكيف لا يمكن لوزير الخزانة مثلاً طباعة المزيد من العملة الورقية لسداد الديون الأمريكية؟ الكثير منا يعرف بالطبع إجابة هذا السؤال، ولكن الأكثر غرابة هنا، أن القانون الذي يستند إليه مؤيدو هذا التوجه، موجود منذ نحو 20 عاماً، وهو قانون ملتوٍ يسمح للإدارة الأمريكية بسك عملات معدنية بدون موافقة الكونجرس، وهو القانون الذي صدر بهدف تمكين هواة جمع هذه العملات التذكارية من الحصول عليها، وليس استخدامها كوسيلة يعتبرها البعض فعالة ونحن في خضم أزمة مالية كبيرة.

هذا القانون الغريب ينص صراحة على أن لوزير الخزانة الحق في إصدار وسك عملات معدنية من البلاتينيوم وغيرها بما يشبه المواصفات العامة للعملة الأمريكية من حيث التصميم والكمية والعملات الأخرى المربوطة بها، وفقا لتقديره الخاص من وقت لآخر وبدون الرجوع لأي جهة تشريعية. مؤيدو الفكرة يعتقدون أن الوقت ملائم الآن لتنفيذها، ولكن وزيرة الخزانة جانيت يلين والبيت الأبيض وبعض المسؤولين رفيعي المستوى يرفضون تماماً هذه الفكرة، مثلما رفضها قادة آخرون حينما ظهرت بعض الأزمات المالية التي كانت تستوجب حلولاً سريعة.

وقد تابعت خلال الفترة الماضية العديد من تعليقات المسؤولين حيال هذه المسألة التي يبدو مؤيدوها آملين في تحقيقها، حيث قال السيناتور مارك وارنر إن تطبيقها مستحيل، ومجرد التفكير فيها هو انتحار اقتصادي وسياسي، فيما أشارت جانيت يلين إلى أن على الكونجرس الأمريكي إيصال رسالة واضحة للعالم مفادها أن الولايات المتحدة قادرة على الوفاء بالتزاماتها وسداد ديونها، مؤكدة أن سك عملات بلاتينية لحل مشكلة الدين العام ما هو إلا تحايل واضح على الآخرين. وعلى الجانب الآخر، قال أكاديميون إن الأنظمة المحاسبية الموجودة هي المشكلة الحقيقية، وأن مواجهة تلك المشكلة بحل محاسبي آخر هو الخطوة الصحيحة للتعاطي معها، حيث أشاروا إلى أن هيكلية سقف الديون في حد ذاتها مصممة بطريقة تفتقر لمعايير منطقية واضحة.

تشير التقارير الواردة إلى السقف المحدد للدين الأمريكي العام ستصل إلى سقفها المحدد في الثامن عشر من أكتوبر الجاري، وذلك مالم تتخذ الإدارة خطوات عملية لمعالجة ذلك الأمر، أما أعضاء الحزبين الديمقراطي والجمهوري في الكونجرس، فيبدو أنهم أصبحوا الآن أمام معضلة حقيقية، فالجمهوريون يميلون إلى عدم التوافق مع الديمقراطيين في مسألة طالما كانت في السابق أمراً روتينياً، والديمقراطيون مترددون أيضاً فيما يتعلق بالخطوة التي يتعين عليهم اتخاذها للتعاطي مع هذه المسألة، وهو ما يجعل هذه العملة المعدنية اللامعة التي تتألف ربما من 12 خانة مغرية لأصحاب الفكرة.

ورغم أن تحقيق هذا الأمر يتطلب قراراً إدارياً فقط دون الرجوع إلى الكونجرس الأمريكي، فإن المتحدث باسم البيت الأبيض قال إن الإدارة كانت تدرس جميع الخيارات الممكنة، ولكن هذه الفكرة تحديداً غير قابلة للتطبيق، خاصة وأنها تتخطى الكونجرس، وهو ما لا يتماشى مع هيكلنا الديمقراطي حتى في وجود قانون مثل هذا.

وضعت هيكلية سقف الدين العام في حقبة الحرب العالمية الأولى، بهدف تسهيل إصدار الولايات المتحدة للسندات دون الحاجة إلى موافقة الكونجرس في كل مرة، وتفادياً للإجراءات المطولة والبيروقراطية التي يمكن أن تواجه عملية الموافقة عليها، فحالة الحرب كانت السبب الأساسي الذي تمكنت به الإدارة من تمرير هذا الأمر بدون المرور عبر الأجهزة الديمقراطية. ولطالما كانت مسألة رفع سقف الدين العام أو خفضه، قضية عادية لا تثير الجدل، ولكن خلال الفترة الأخيرة، أصبحت مثار جدل كبير بسبب أن معظم ما يتم إنفاقه من أموال تم التصديق عليه بواسطة الكونجرس، أو أن المبالغ المدفوعة تتم لصالح أوجه صرف محددة بالقانون.

نظرياً، لا يمكن لوزارة الخزانة إصدار أي عملة جديدة للتداول، حيث إن الاحتياطي الفيدرالي هي الجهة الوحيدة التي يمكنها ذلك، أما عملياً، فإن الآثار السلبية لتلك الخطوة غير معروفة حتى الآن، خاصة على معدلات التضخم وغيرها من المقاييس الاقتصادية. لذلك فإن التفكير فيها مسألة تنطوي على الكثير من المخاطر قصيرة الأمد، والتي يمكن أن تؤدي في النهاية إلى تضخم كبير في السجلات المحاسبية بما لا تستطيع أي إدارة التعامل مع الأمر والدخول في دوامة من الأزمات.

* كاتب في «أسوشيتد برس» وساهم في التقرير جوش بواك ومارتن كروسينجر

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب في «أسوشيتد برس» وساهم في التقرير جوش بواك ومارتن كروسينجر

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"