الفجر الجديد للعملات الرقمية المشفرة

21:18 مساء
قراءة 4 دقائق

أليه تسيفنسكي *
تتخذ الهيئات التنظيمية في جميع أنحاء العالم إجراءات صارمة ضد العملات الرقمية المشفرة، فقد أصدرت الصين مؤخراً حظراً على استخدام هذه العملات، كما تنظر الولايات المتحدة في مجموعة من الإجراءات التي تهدف إلى وقفها، بينما يعمل بنك إنجلترا على تطوير متطلبات رأس المال للمؤسسات المالية التي تحتفظ بها. وبعيداً عن الكارثة التي قد يتعرض لها قطاع العملات الرقمية المشفرة، فإن التنظيم يُشكل أهمية بالغة بالنسبة لتوقعاتها على المدى البعيد.

بدأ تطور سوق التشفير بما يمكن وصفه على نحو أفضل بمرحلة ابتكار المنتج، وقد مكنت تقنية البلوك تشين الناس من طرح الكثير من الأسئلة المتكررة. وقد أدى ذلك إلى ظهور تطبيقات مرئية للغاية، مثل العملات الافتراضية والأعمال الفنية الرمزية، لكنها مكنت أيضاً من ابتكارات أقل جاذبية في مجموعة واسعة من المجالات، من تتبع شحنات الحاويات إلى تحسين سلامة سجلات الرعاية الصحية.

هل سيكون تأثير تكنولوجيا البلوك تشين ثورياً؟ يعتمد ذلك على ما نقصده بكلمة ثورة، فعلى سبيل المثال، يتساءل روبرت جوردون من جامعة نورث وسترن عما إذا كان تأثير الابتكارات التكنولوجية الحديثة سيكون بعيد المدى بقدر تأثير الابتكارات السابقة، وهل ستثبت الهواتف الذكية أنها لا تقل أهمية عن الكهرباء؟ وهل ستكون التجارة الإلكترونية قابلة للتحويل مثل القوة البخارية؟ هل يمكن مقارنة تأثير الإنترنت بتأثير الراديو والتلغراف؟

فسواء انطبق أو لم ينطبق عليها وصف «الثورية»، ستنطوي تقنية البلوك تشين بلا شك على تأثيرات كبيرة في مجموعة متنوعة من القطاعات التقليدية، كما ستعمل على تحفيز إنشاء شركات ومنتجات وتطبيقات جديدة، في الواقع. كما أن تعميم تطبيقات تقنية البلوك تشين من هذا النوع، يمثل نهاية المرحلة الأولى من تطوير التكنولوجيا. واليوم، تدخل العملة الرقمية المشفرة المرحلة الجديدة من تطورها، وهي التحول إلى أصول قابلة للاستثمار، ومن المؤكد أن العملات الرقمية المشفرة تُشكل أصلاً بالفعل، مع بلوغ قيمة رأسمالها في السوق حوالي تريليوني دولار، لكنها سوق تشوبها الكثير من العيوب وأنشطة التداول الداخلي وغيرها من العمليات المشبوهة أو غير القانونية. هذه هي الحال حتى بالنسبة للعملات الرقمية المشفرة الأكثر أماناً، وهي العملات المستقرة التي من المفترض أن تكون مدعومة بالعملة الصعبة، في الواقع، يُقارن غاري غورتون، زميلي في جامعة ييل، وجيفري تشانغ، عضو مجلس محافظي نظام الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، العملات المستقرة بالأوراق النقدية الخاصة التي تم تداولها خلال عصر البنوك الحرة في أمريكا، والتي كانت سائدة من العام 1837 إلى 1862، عندما كان بإمكان أي بنك إصدار عملته الخاصة. مع سهولة اختراق أو غياب اللوائح التنظيمية، حيث كانت الأموال الخاصة عُرضة لتقلبات الأسعار الشديدة ونوبات الهلع.

أما حالياً، يواجه المستثمرون المؤسسون الكبار خيارات محدودة، فإما الابتعاد عن القطاع أو العمل فيه في وضع رأس المال الاستثماري من خلال الاستثمار على مستوى الشركات الفردية، وإذا ما أرادوا البدء بالنظر إلى العملات الرقمية المشفرة باعتبارها فئات أصول بديلة مثل العملات الورقية أو السلع الأساسية أو المشتقات المالية، فإنه يتعين أولاً تلبية ثلاثة عناصر أساسية، يتمثل أولها في وجوب أن تكون هناك بيانات خالصة وموثوقة، وفي هذه المرحلة، حققت سوق العملات الرقمية المشفرة إنجازات مهمة، فعلى الرغم من أن المعلومات المالية تظل منقوصة وغير مُكتملة، فإن العديد من مزودي البيانات يتجاوزون الآن بيانات التسعير، على الأقل بالنسبة لأكثر العملات الرقمية المشفرة تداولاً. إن الجهات الفاعلة الرئيسية في قطاع التمويل التقليدي مثل شركة إس أند بي داو جونز، وحافظة مؤشرات السوق الرقمية الخاصة بها، تُوفر معياراً منهجياً مهماً لإنشاء مثل هذه البيانات وضمان مصداقيتها.

ويتمثل العنصر الثاني في الحاجة إلى بحوث تُسهل التوصل إلى فهم أعمق للعملات الرقمية المشفرة باعتبارها جزءاً من فئات الأصول، حيث أثبتت البحوث الأكاديمية نجاحها في إنشاء عدد من فئات الأصول الجديدة، مثل المشتقات المالية وصناديق المؤشرات، ناهيك عن أساليب الاستثمار الأخرى. واليوم، يتم إحراز تقدم كبير في التعامل مع العملات الرقمية المشفرة.

يتلخص العنصر الثالث في وجود إطار تنظيمي موثوق، حيث لا يزال مثل هذا الإطار ناشئاً في الوقت الراهن، لأسباب ليس أقلها أن تنظيم العملات الرقمية المشفرة يطرح تحديات هائلة يتطلب بعضها وضع نظريات جديدة، أو تعديل النظريات القائمة في مجالي المحاسبة والقانون. أما الجزء الآخر فهو عملي، ففي حين تُعد سجلات جميع المعاملات عامة، يصعب أو يستحيل التحقق من هويات الأطراف التي تنفذ هذه المعاملات، وفي ذات الوقت تُعد جميع هذه الاعتبارات عالمية، مما يعني أن الهيئات التنظيمية في معظم البلدان الكبرى سوف تحتاج إلى تنسيق جهودها الرقابية دون التضييق على آفاق الابتكار.

وبمجرد التغلب على هذه التحديات، ووضع إطار تنظيمي فعال، ستُصبح العملات الرقمية المشفرة أكثر تداولاً، وسوف يعقب السنوات العشر الثانية من هذا القرن الجاذبة للانتباه والمليئة بالتجارب إنشاء نسخة أكثر قابلية للتنبؤ بمستقبل سوق التشفير حيث سوف تمثل العملات الرقمية المشفرة فئة أصول جديرة بالثقة.

* أستاذ علم الاقتصاد بجامعة «ييل»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أستاذ علم الاقتصاد بجامعة «ييل»

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"