ضرورة استعادة النمــــو فــــي الصــــين

22:26 مساء
قراءة 3 دقائق

يو يونجدينج* 

تشهد الصين شهراً حافلاً بالأحداث، يتسم بانتشار الاضطرابات في إمدادات الطاقة، وأزمة ديون مجموعة «إيفر جراند»، وهي ثاني أكبر مطور عقاري في البلاد. 
ما الذي يعنيه هذا بالنسبة للانتعاش الاقتصادي في مرحلة ما بعد الجائحة وتوقعات النمو في الصين؟ فلنبدأ بأزمة الطاقة، التي بدأت عندما أدت الزيادة السريعة في الصادرات إلى زيادة ملحوظة في الطلب على الكهرباء، حيث تُواصل الصين الاعتماد على الفحم في 56.8% من إجمالي إمدادات الطاقة الكهربائية. ومع ذلك، وفي محاولة لتحقيق الأهداف الإلزامية الرامية إلى الحد من استهلاك الطاقة، أغلقت الحكومات المحلية العديد من مناجم الفحم في السنوات الأخيرة.
وفي الوقت نفسه، فإن الأهداف المناخية للحكومة - الوصول إلى ذروة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بحلول عام 2030 وتحقيق الحياد الكربوني قبل عام 2060 - تُثبط الاستثمار في صناعة الفحم. وبطبيعة الحال، تُشجع هذه الأهداف أيضاً الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة، والتي تُشكل جزءاً مُتنامياً من مزيج الطاقة في الصين. لكن مصادر الطاقة المتجددة غير كافية لتغطية العجز الحالي. ونتيجة لذلك، عندما ارتفع الطلب على الطاقة، ارتفعت أسعار الفحم أيضاً. ومع ذلك، في ظل تنظيم الحكومة الصينية لأسعار الكهرباء، لم تتمكن الشركات التي تقوم بتوفير الطاقة - ومعظمها شركات مملوكة للدولة - من تحويل التكاليف إلى المُستهلكين. وللحد من الخسائر، قامت هذه الشركات بقطع إمدادات الكهرباء، ما أجبر بعض الشركات المُصنعة على خفض الإنتاج.
لا شك في أن الصين سوف تتغلب بسرعة على نقص الطاقة، الذي أصبح أقل حدة بالفعل. لكن تطوير قطاع طاقة أكثر مرونة واستدامة سيستغرق وقتاً طويلاً، وإذا لم يتم التخطيط لكل خطوة من خطوات التنمية وتنفيذها بعناية، فقد يؤثر هذا الانتقال على النمو الاقتصادي. كما تشكل أزمة شركة إيفرجراند العقارية الصينية العملاقة أيضاً مخاطر جسيمة على النمو، فعلى مر السنين، وبسبب فشل إدارة الشركات، توسعت الشركة المُطورة بوتيرة هائلة، ليس فقط من خلال استثماراتها العقارية، ولكن أيضاً من خلال التنويع في صناعة السيارات الكهربائية، وفي سبيل تمويل أنشطتها، اقترضت الشركة مبالغ ضخمة من البنوك التجارية وأسواق رأس المال، بما في ذلك إصدار سندات بالدولار للمستثمرين الأجانب، وتراكمت عليها في النهاية ديون بنحو 800 مليار يوان صيني.
توقع مراقبون أن يؤدي انهيار سوق الإسكان إلى اندلاع أزمة مالية في الصين، ولكن في حالة مجموعة «إيفرجراند»، تكمن المشكلة في السيولة وليس القدرة على سداد الديون، ويمكن احتواء أي آثار غير مباشرة، لأسباب ليس أقلها أنه على الرغم من التحديات التي يُواجهها، يُعد النظام المصرفي الصيني قوياً وسليماً نسبياً، حيث لا تمثل شركات التطوير العقاري ومشتري المنازل سوى نحو 30% من إجمالي القروض المصرفية، وهذه الحصة آخذة في الانخفاض، كما انخفضت حصة القروض الجديدة المتعلقة بالعقارات من 45% في عام 2016 إلى أقل من 24% في سبتمبر من عام 2020.
وكما هي حال أزمة الطاقة في الصين، فإن كارثة إيفرجراند لا تشكل خطراً نظامياً وشيكاً، لكن هذا لا يعني أن صُناع السياسة يجب أن يكونوا راضين عن الوضع الراهن، إذ يعتبر قطاع العقارات دعامة للاقتصاد الصيني، ورابطاً مهماً في سلسلة الإنتاج، ومن شأن انهيار شركة إيفرجراند أن يؤدي إلى تعطيلها بشدة لأسباب عديدة تتمثل في أن بعض كبار شركات التطوير العقاري الأخرى قد تتبع خطى شركة إيفرجراند. وقد تواجه بعض المؤسسات المالية غير المصرفية تحديات هائلة. وبطبيعة الحال، سوف يعاني المساهمون في شركة إيفرجراند بشكل كبير. كل هذا من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم التوقعات الاقتصادية في الصين.
ومن أجل الاستعداد لما قد يحدث، يجب معالجة نقاط ضعف النظام المالي، وخاصة نسبة الاستدانة العالية في قطاع الشركات، لكن يجب منح الأولوية القصوى لإنهاء التباطؤ المُستمر في النمو، والذي بدأ في عام 2010. هذا الاتجاه لا يقل إزعاجاً عن المشاكل الهيكلية قصيرة الأجل التي تصدرت عناوين الأخبار مؤخراً، حيث تُظهر تجربة الصين على مدى السنوات الأربعين الماضية أنه في غياب النمو اللائق، يُصبح تحقيق الاستقرار المالي أمراً صعباً.
هناك إحصائيات رسمية تؤكد هذا التوجه، والتي تشير إلى أن معدل النمو السنوي في الصين كان أقل من المتوقع 4.9% في الربع الثالث من هذا العام، ويخشى الكثيرون أن يكون معدل النمو في الربع الرابع أقل من ذلك. ولمواجهة هذا الاحتمال، يتعين على صُناع السياسة الصينيين أن يسعوا إلى تحقيق توسع مالي ونقدي أكثر جرأة، إلى جانب الإصلاح الهيكلي والتكيف الاقتصادي.

* الرئيس السابق لجمعية الصين للاقتصاد العالمي، ومدير معهد الاقتصاد العالمي بأكاديمية العلوم الاجتماعية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

الرئيس السابق لجمعية الصين للاقتصاد العالمي، ومدير معهد الاقتصاد العالمي بأكاديمية العلوم الاجتماعية.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"