مستقبل الدبلوماسية الاقتصادية.. كيف تراه؟

01:07 صباحا
قراءة دقيقتين

أحمد الصايغ*

بدأت دول العالم على مر السنوات والعقود الماضية بتبنّي نماذجها الخاصة للدبلوماسية الاقتصادية، بهدف رسم الإطار الناظم لتفاعل السياسة الخارجية مع المصالح الاقتصادية. وقد ساهمت في تحديد النموذج المناسب لكل دولة خصائصها، من حيث المساحة والاقتصاد والسكان والقدرات التكنولوجية والعسكرية.

كما ساهم في ذلك طبيعة الفلسفة الاقتصادية والسياسية لهذه الدول. فمنها من تطرف في تغليب السياسة على الاقتصاد، عبر منح الأولوية للتوسع والتسلح على حساب رفاه الشعوب، ومنها من اتجه كلياً نحو الاقتصاد، مع غياب سياسة خارجية فاعلة على الأغلب.

في دولة الإمارات، تبنت القيادة العليا، بحكمتها المعهودة، منذ تأسيس الاتحاد، نموذجاً متوازناً وفعالاً للدبلوماسية الاقتصادية، تم من خلاله بناء التأثير السياسي والاقتصادي للدولة بشكل متواز يراعي تعزيز دورها الإقليمي والدولي، ويحافظ على مصالحها الاستراتيجية، سياسياً واقتصادياً. وقد تمكنت دولة الإمارات بفضل تجربتها الاقتصادية الناجحة التي حوّلتها خلال عقود معدودة إلى مركز تجاري واستثماري عالمي، من لعب دور إقليمي ودولي يتجاوز مساحتها وبناءها الديموغرافي، لتصبح رقماً صعباً في المنطقة والعالم، وصولاً إلى تبوؤ الصدارة في العديد من مؤشرات التنافسية والتجارة والاستثمار، ومبادرات إرساء السلام والازدهار، والشراكات الاستراتيجية.

وقد أدركت دولة الإمارات عبر تجربتها الاستثنائية، أهمية الدبلوماسية الاقتصادية في تحقيق أهدافها الاستراتيجية، حيث تمت ترجمة ذلك بشكل صريح في مبادئ الخمسين، والتي تنص على أن السياسة الخارجية أداة لخدمة المصالح الاقتصادية، وعلى أن هدف السياسة هو خدمة الاقتصاد.

هذا التوجه نحو تعزيز دور الدبلوماسية الاقتصادية خلال الخمسين عاماً المقبلة، وصولاً إلى مئوية الاتحاد، ينم عن رؤية استشرافية تراعي في صميمها التحولات الرئيسية التي يشهدها العالم في أعقاب جائحة «كوفيد-19»، وحالة الاستقطاب الاقتصادي بين أبرز اللاعبين الدوليين.

هذه التحولات، وما يرافقها من فرص وتحديات ترسم مساراً واحداً يعزز من أهمية الدبلوماسية الاقتصادية ويوسع من نطاقها. فبعد أن كانت محصورة في حماية الاستثمارات، وتشجيع التجارة، تبدو الدبلوماسية الاقتصادية اليوم منخرطة في قطاعات غير تقليدية، مثل مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وحماية البيانات وتسهيل تدفقها، وتحفيز التجارة الإلكترونية، وتحقيق الأمن الغذائي، وأمن سلاسل التوريد العالمية. وبعد أن كانت الدبلوماسية الاقتصادية منوطة حصراً بوزارة الخارجية وبعثاتها الخارجية، بدأت اليوم تأخذ منحاً مختلفاً بإشراك مختلف الجهات، بما فيها القطاع الخاص، لصياغة وتطبيق مبادراتها.

وكما هي العادة، تنتهج دولة الإمارات أسلوباً استباقياً في التعاطي مع المتغيرات، وهو ما بدأت ملامحه تتضح عبر مبادئ ومشاريع الخمسين، واستراتيجية وزارة الخارجية والتعاون الدولي لإدارة دفة الدبلوماسية الاقتصادية، والعبور بها نحو التحول المطلوب لمواكبة التطورات العالمية. فابتداء من استراتيجيات الأمن الغذائي وتنويع الواردات والصادرات، ومروراً بقيادة جهود تطوير منظومة مكافحة الجريمة المالية، وانتهاء بتعيين السفراء القطاعيين المسؤولين عن الذكاء الاصطناعي، والثورة الصناعية الرابعة، تضع وزارة الخارجية اللبنات الرئيسية لمرحلة مقبلة من الدبلوماسية الاقتصادية الرائدة والمستدامة.

* وزير دولة

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

وزير دولة

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"