حول ميكانيكا التنمية الاقتصادية

22:03 مساء
قراءة 3 دقائق

د. عبدالعظيم حنفي*

أصبح روبرت لوكاس وهو في عمر الثامنة والأربعين أكثر المنظرين الاقتصاديين نفوذاً في العالم. وقد حصل على جائزة نوبل في العلوم الاقتصادية عام 1995، كان أستاذاً في جامعة شيكاغو. وكانت آراؤه الخاصة حول أهمية سرعة وضع النماذج والسلوك الإنساني المتطلع إلى الأمام، قد هزمت أولاً باقي قسم الاقتصاد في شيكاغو ومن ثم هزمت معظم الجيل الصاعد من اقتصاديي الاقتصاد الكلي. ومع ذلك احتدم النقاش في شكل عداء عقيم وأحياناً عداء مرير بين اقتصاديي الماء العذب والماء المالح كما كان يطلق على «الكلاسيكيين الجدد» و«الكينزيين الجدد». تبارز لوكاس بشكل متكرر مع اقتصاديي معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، ومع روبرت سولو بصفة خاصة، (الأستاذ بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، الفائز بجائزة نوبل في الاقتصاد، لأنه أوضح في أواخر الخمسينات من القرن الماضي أن الابتكار أو النمو الذكي يكتسب أهمية في الولايات المتحدة وفي دول صناعية أخرى أكثر من النمو بالقوة الغاشمة الذي يحوي مزيداً من المدخلات. إذ إن النمو الذكي يعمل على توليد كثير من الإضافات إلى الإنتاج مع مرور الوقت. وقد أكد عدد من العلماء هذه النظرة الثاقبة الأساسية وتوسعوا في تطبيقها على كثير من البلدان). كانت مبارزة روبرت لوكاس مع سولو حول الاستراتيجيات البديلة لبناء النماذج. لم يكن لوكاس كاهناً في معبد المنهج البديهي، ولكنه كان مستخدماً كبيراً لأدواته – البرمجة الديناميكية وجدول البيانات الإلكتروني لا نهائي الأبعاد. وعندما ألقى لوكاس محاضرته الشهيرة في كامبريدج في ديسمبر عام 1995 فاجأ مستمعيه بقوله إنه لن يتحدث عن دراسات النقود ودورات الأعمال التي اشتهر بها وكان عنوان محاضرته «حول ميكانيكا التنمية الاقتصادية» وكان الأمر غير المعتاد في ذلك العنوان أنه يجمع ما بين سعي المنظرين للآليات واهتمامهم بالتنمية الاقتصادية بالنسبة للمجال، وهو الأمر الذي عادة ما تكون فيه النظرية بمثابة اللعنة. ورسم لوكاس بعضاً من الفروق المبدئية كما وجدت عام 1980، بين أسواق الاقتصاديات الصناعية من سويسرا إلى إيرلندا، كان متوسط دخل الفرد 10000 دولار، وفي نفس الوقت كان متوسط دخل الفرد في الهند 240 دولاراً وفي هايتي 270 دولاراً وهكذا. الفارق هو أربعة أضعاف الدخل. ولماذا كانت 240 دولاراً لا تكفي للحفاظ على الحياة في إنجلترا لمدة عام حتى ولو تمت إدارتها بعناية؟ ومن ثم الفجوة ضخمة ورهيبة ومستمرة أيضاً. وذكر أن بعض الدول مرت بثورات صناعية، أو شاركت فيها بصورة كاملة، في حين أن بعض الدول لم تقم بذلك. منذ قرون قليلة مضت، تحرك بعض منها إلى مرحلة النمو الاقتصادي المستمر في حين لم يمر البعض الآخر بهذه المرحلة. ونتج عن هذه العملية ظهور العالم غير المتساوي الذي نعرفه اليوم. ولكن لماذا يجب أن تستمر هذه الحالة من غير المساواة؟ أثبتت جميع تجارب السنوات الأخيرة أنه يمكن سد الفجوة على الأقل في ظل بعض الظروف الخاصة، في حقيقة الأمر اختلفت معدلات النمو بشدة من مكان إلى آخر ومن وقت لآخر. إن لوكاس يبدي إعجابه بشكل نموذج سولو، فقد حقق توافقاً جيداً مع بعض أنواع الإدراك، كاشفاً عن أشياء لم تستطع النماذج الأخرى أن توضحها. ومع ذلك يطرح لوكاس تساؤلاً حول ما إذا كان نموذج سولو هو نموذج مناسب للتنمية الاقتصادية؟ هو ليس كذلك، على حد قوله، في حقيقة الأمر فشل نموذج سولو وذلك لأن تنبؤه الرئيسي كان أن الدول الفقيرة سوف تنمو أسرع من الدول الغنية في مستوى الدخل حتى تنتشر الثروة بسلاسة وبالتساوي على سطح الأمر ومع ذلك توضح المقارنات السريعة التي قام بها لوكاس أن هذا لم يحدث، حسب قول لوكاس. يبدو أنه يمكن تطبيق نموذج سولو على الدول المتقدمة فقط. وربما ستتقارب الدول الغنية مع بعضها. ويبدو أن قليلاً من الدول الآسيوية استطاعت أن تقوم بقفزة. ولكن يبدو أن معظم الدول الباقية لا تزال عالقة.
«أعتقد أن هذا هو السبب الذي يجعلنا نفكر في النمو والتنمية على أنهما مجالان مختلفان»، كما يقول لوكاس، فضلاً عن ذلك على حد قوله إذا قمت بتمزيق نموذج سولو، سوف ترى لماذا لا يحدث التقارب. فهو ناتج عن شذوذ نظري آخر وهو المرور ذو الاتجاه الواحد للجنس البشري، عبر الحدود القومية، لهجرة العمل إلى رأس المال، ولا يحدث العكس إلا في حالات استثنائية قليلة.

* أكاديمي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"