متاعب في الفناء الخلفي لروسيا

00:06 صباحا
قراءة 3 دقائق

اعتاد الإعلام الأمريكي الإشارة إلى بلدان أمريكا الجنوبية باعتبارها الفناء الخلفي للولايات المتحدة، كونها منطقة نفوذ تقليدية لها بحكم قربها الجغرافي ومن ثم تحظي بأهمية كبيرة، وحساسية خاصة كمجال حيوي للأمن القومي الأمريكي. بالمثل تعتبر روسيا جمهوريات آسيا الوسطى الفناء الخلفي لها والمجال الحيوي لتمددها ونفوذها،لاسيما بعد تآكل منطقة تمددها التقليدية الأخرى في شرق أوروبا.
 الحضور الروسي يبدو طاغياً وواضحاً للغاية في هذه الجمهوريات التي تضم تركمانستان، وقيرغيسستان، وطاجيكستان، وكازاخستان، وأوزباكستان. ولا يقتصر الوجود الروسي على التعاون العسكري والأمني والاقتصادي والسياسي فحسب، بل تمارسه روسيا بقوتها الناعمة أيضاً ممثلة في الثقافة والإعلام والفنون. وتنتشر اللغة الروسية بصورة واسعة، وتوجد كذلك جاليات ضخمة من أصول روسية تشكل في كازاخستان على سبيل المثال خمس تعدادها.
 والتلفزيون الروسي هو المصدر الرئيسي للأخبار في تلك البلاد، لذلك ليس من الغريب أن تحظى السياسية الروسية بقبول واسع بين مواطني هذه الدول. وتطلق مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية اسم ظاهرة «التفسير البوتيني» للأحداث، في إشارة إلى وجهة نظر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشأن السياسة الخارجية وموقف بلاده من القضايا العالمية، والتي تحظى بقبول واسع في أسيا الوسطى. وتوضح المجلة أن التماهي مع المواقف الروسية يبلغ مداه في أوزباكستان التي لا يمكن إيجاد خط فاصل بين ولاء مواطنيها لروسيا وولائهم لبلادهم على حد قول المجلة.
 ولروسيا تاريخ طويل في دعم ومساندة هذه الدول بعد تفكك الاتحاد السوفييتي واستقلالها، ولذلك تحظى بشعبية ضخمة هناك على المستويين الشعبي والرسمي. وتقدم نفسها دائماً باعتبارها الشقيق الأكبر الذي يمكن اللجوء إليه والاعتماد عليه في أوقات الشدة. وتدلل على ذلك بما فعلته مع أصدقائها في جورجيا والشيشان وأوكرانيا وسوريا وحتى زيمبابوي.
 ومنذ أعلنت أمريكا نيتها الانسحاب من أفغانستان وحتى قبل تنفيذه تحركت روسيا سريعاً لاستثمار مخاوف تلك الجمهوريات من نشاط جهادي قادم من أفغانستان، لعب الإعلام الروسي دوراً كبيراً في إثارة القلق. وسارع بوتين بالقيام بجولة في أربع جمهوريات منها لعرض المساعدة العسكرية.
 رغم هذا التغول لا يبدو طريق روسيا مفروشاً بالزهور فهناك منافسة ضارية تواجهها من عملاقين آخرين هما الصين وأمريكا اللذين لن يقبلا أن تنفرد وحدها بالثروات الهائلة في المنطقة. ووفقاً لتقديرات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية فإن حوض بحر قزوين يحوي ما بين 17 إلى 33 مليار برميل نفط. كما يضم نحو 232 تريليون متر مكعب من الغاز الطبيعي.
 وإذا كانت أمريكا تواجه صعوبات حقيقية في الفوز بجزء كبير من هذه الاستثمارات بسبب مشاعر الشك والريبة في نواياها من جانب الشعوب والحكومات، فضلاً عن مشكلة مد أنابيب نقل الخام عبر الأراضي الإيرانية والروسية، فإن الصين على العكس تحظى بقدر كبير من القبول الشعبي والرسمي، ولذلك تبقى هي المنافس الأقوى والأهم بالنسبة لروسيا.
 وتبدي الصين بالفعل اهتماماً كبيراً بالمنطقة، وضمت جمهورياتها إلى منظمة شنغهاي للتعاون الاقتصادي، كما وضعتها على خريطة «مبادرة الحزام والطريق»، وتعهدت باستثمار 1,4 تريليون دولار في مشاريع الطرق والسكك الحديدية في تلك الجمهوريات ضمن المبادرة. ولم تتجاهل بكين كذلك الجانب الأمني في تعاونها. ومنذ 2016 حتى 2020 زادت مبيعاتها العسكرية لجمهوريات آسيا الوسطى بنسبة 18% مقابل زيادة لم تتجاوز 1,5% فقط بين 2010 و2014. وتقيم منشآت عسكرية في طاجيكستان لحماية حدودها مع أفغانستان.
 ترصد موسكو هذا التقارب بصمت وقلق، لا تستطيع إبعاد الصين ولا تقوى على الدخول معها في صدام من أي نوع، فليس من مصلحتها أن تخسرها في وقت تواجه فيه عقوبات أمريكية وأوروبية تنهك اقتصادها. لكنها في الوقت نفسه لا تتحمل ضياع المكاسب الهائلة التي تذهب إلى الصين بدلاً منها. تلك هي معضلة بوتين؛ هل يضحّي بالاستثمارات أم بالصين؟ خياران كلاهما مرّ وغير محتمل.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"