إنجازات الإمارات في ظل الجائحة

00:10 صباحا
قراءة 4 دقائق

مضى عامان على معاناة البشرية من شلل عالمي أحدثه فيروس سريع الانتشار هاجم في الخفاء، من دون سابق إنذار وبلا رحمة، الأجهزة الحيوية في الدول، مختبراً بذلك استعداد الحكومات ومرونة الناس على حد سواء. ظهرت الآثار التدميرية له بوضوح على الفور مع ارتفاع أعداد المصابين بالوباء، وفقدان الكثيرين أرواحهم بسببه، لكن هكذا هي الروح البشرية.. عندما تشتد بها المحن تتسم بالتفاؤل وتصّر على البقاء. فقد وجدت طريقها نحو العودة بتأنٍ تارة وبارتباك تارة أخرى ماضيةً إلى حياة ملامحها تشبه عالم ما قبل عامين. 
 بات العالم اليوم يتمتع بخبرة أكثر ويتسم بنضج عارم، ورؤية أوضح مما كان لديه قبل أن يفتك به هذا الفيروس الشرس.
 اختلفت عملية التعافي المرهقة على صعيد كل دولة، وذلك بسبب الأسس التي نهضت عليها الحكومات قبل الوباء، فالبلدان التي تجاهلت البنية التحتية الداخلية عانت من حنق مجتمعي جراء هذا الإهمال، أما البلدان التي لم تعتمد على مواردها الخاصة فلا تزال تكافح للبقاء على قدميها في مواجهة الجائحة، خاصة الدول التي لم تعتمد على الصناعة المحلية. وإذا كان الوباء قد لقّن العالم درساً، فهو أن العولمة يمكن أن تتلاشى في أي وقت، وبالتالي لا بدّ أن يكون الاكتفاء الذاتي هدفاً تتطلع جميع البلدان إلى تحقيقه.
 على غرار الدول الأخرى، عاشت الإمارات العربية المتحدة اختباراً في لحظة وقف فيها العالم من دون حراك. هذه الدولة الفتية التي بلغت للتو ال 50 عاماً، تحتضن أكثر من 200 جنسية مختلفة، أصبحت على حين غرّة مهمومة بكيفية ضمان سلامة ورفاه شعبها، وإبقاء الاقتصاد في وضع صحي خلال العاصفة المحيقة بالجميع. أثبت نظام الرعاية الصحية في الإمارات العربية المتحدة أنه لم يصمد فقط في وجه هذه العاصفة، بل كشف أنه في أفضل صورة منظّمة، ويمكن الاعتماد عليه في استقبال العدد الهائل من الإصابات داخل الدولة في بداية الوباء. لقد نجحت الدولة في تعزيز الشعور بالأمن في نفوس المواطنين والمقيمين، وطمأنتهم في زمن عصيب بأن الإنسان على قائمة أولوياتها، وقد أوفت حقاً بوعدها في ذلك، بدليل أننا لم نرَ خلال الإغلاق العام أي نقص في المواد الأساسية في الدولة.
 بعد عامين من اندلاع الجائحة، نرى أن اقتصاد الدولة يشهد انتعاشاً كبيراً، حيث أكدت وكالة «فيتش» للتصنيف الائتماني أن دولة الإمارات العربية المتحدة تأتي في مستوى (AA-) مع تمتعها بنظرة مستقبلية مستقرة، وهذا التصنيف نتيجة لرؤية شاملة أقرّتها حكومتنا الرشيدة قبل تفشي الوباء، بهدف تنويع الدخل، ما سمح بزيادة التجارة الخارجية غير النفطية بنسبة 27٪ أثناء الوباء. كما كشف تصنيف وكالة «بلومبيرغ» ل«مؤشر مرونة الدول في التعامل مع كوفيد-19»، مؤخراً، أنه في عام 2021، جاءت الإمارات العربية المتحدة في المركز الأول كأفضل بلد للمكوث خلال أسوأ جائحة شهدها العالم الحديث حتى الآن، مزيحة بذلك الدول الأوروبية عن عرشها باعتبارها «الأكثر ثباتاً في الأداء». 
 شهدت الإمارات تراجعاً في الإصابات بفيروس كورونا، ولم يكن عدد الوفيات فيها كبيراً على الإطلاق، ناهيك عن أنها غدت واحدة من أكثر الدول تطعيماً في العالم.
 خلال هذه الفترة لم تكتفِ الإمارات بإطلاق محطة براكة للطاقة النووية التي تعدّ أول محطة للطاقة النووية في شبه الجزيرة العربية، وأول محطة طاقة نووية تجارية في الوطن العربي، فقد أطلقت أيضاً «مسبار الأمل» كجزء من مهمتها في استكشاف المريخ، وهو أول مسبار يقدم صورة كاملة عن غلاف المريخ الجوي وسط الوباء، فضلاً عن أنها تستضيف حالياً معرض «إكسبو 2020 دبي» الذي استقبل حتى الآن أكثر من 5 ملايين زائر.
 وشهدت الدولة أيضاً تحولاً في موقفها من السياسة الخارجية، حيث اتخذت تحركاً واضحاً وشجاعاً نحو السلام في المنطقة، الذي مع نجاحه يمكن أن يغيّر الصفائح الجيوسياسية للمنطقة ويمهّد الطريق أمام المصالحة والوحدة. فقد تبع انتهاء الحرب في اليمن نهاية الخلاف بين قطر وبقية دول الخليج العربي، وظهرت معها تحركات لخطوات إيجابية في المنطقة. في الشهرين الماضيين، رأينا كيف أن الإمارات العربية المتحدة تنتهج بعناية سياسة محدّدة في المفاوضات إلى جانب إبقائها قنوات الحوار مفتوحة. فقد زار وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد، الرئيس السوري بشار الأسد للمرة الأولى منذ عشر سنوات منذ بداية الحرب في سوريا، وحدث لقاء آخر أيضاً بعد عقد من الزمان بين صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حيث أبرمت الإمارات خلال زيارة وفدها سلسلة من الاتفاقات الاستثمارية التي يبلغ مجموعها 10 مليارات دولار لدعم الاقتصاد التركي المتدهور. وشهد الشهر الجاري أيضاً وصول وفد إماراتي برئاسة مستشار الأمن الوطني للبلاد الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان إلى طهران حيث استقبله الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي لمناقشة المستجدات الإقليمية.
 لقد واجهت الإمارات العربية المتحدة اختباراً حقيقياً غير متوقع، لكن على خلاف الكثير من دول العالم التي عصف بها الوباء، أظهرت حكومة بلادنا أنها لم تخض الصراع فقط ببسالة، بل استطاعت أيضاً العثور بأمان على درب تصنع فيه الإنجاز تلو الآخر. لقد أثبتت الإمارات أن السبيل الوحيد للمضي قدماً يأتي عبر بوابة التطور والتكيف؛ تطور العقل والروح وتكييف الإيديولوجيات والمعتقدات لتلائم عالماً يشهد تغيّراً دائماً مع الإيمان بأهمية السلام والاستقرار كحق أساسي لا يمكن تجاهله خاصة في أوقات الأزمات.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​رئيس تحرير صحيفة Gulf Today الإماراتية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"