تأجيل المؤجّل في الشرق الأوسط

00:28 صباحا
قراءة 3 دقائق

حسام ميرو

كما كان متوقعاً لدى جميع الأوساط السياسية الإقليمية والدولية المعنية بالشأن الليبي، فقد تأجّلت الانتخابات الرئاسية، كنتيجة حتمية للتناقضات الموجودة بين أطراف الصراع الداخلي، وبين الداعمين الخارجيين لكل طرف من تلك الأطراف، والتي منعت، ولا تزال، المضي بليبيا إلى بدايات الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي، الذي يتوق له الليبيون داخل البلاد أو في الشتات، بعد أكثر من 10 سنوات على انفراط عقد الجماهيرية، من دون أن تظهر بوادر ملموسة للانتقال إلى الجمهورية، بل على العكس من ذلك، فإن ليبيا ترسّخ أكثر فأكثر انقساماتها السياسية، ومن ورائها جملة من الانقسامات، ربما كان أخطرها تبعثر مقوّمات الهوية الوطنية، خصوصاً أن الأطماع الخارجية وجدت لها شركاء محليين، تطغى طموحاتهم ومصالحهم الشخصية على المصلحة الوطنية.

المثال الليبي ليس استثناءً في الشرق الأوسط، بل هو أحد وجوه الأزمة العميقة التي تمرّ بها المنطقة برمّتها، حيث أصبح مطلب الاستقرار الإقليمي أمنية جماعية، في الوقت الذي يعمل فيه الجميع ضد تحقيق هذه الأمنية، فمع انهيار نظام الأمن والاستقرار الإقليمي الذي كان سائداً قبل عام 2010، وجدت بعض الأطراف أن الفرصة سانحة من أجل تغيير المعادلات، وإحراز مكاسب استراتيجية، وهو أمر لا يتناقض من حيث المبدأ مع فلسفة الدول في زيادة وتوسيع رقعة نفوذها، لكن تاريخ الصراعات القديم والحديث، يقول بأن حسابات ما قبل الصراع لا تتطابق بالضرورة مع وقائع ونتائج الصراع نفسه، كما أن ممكنات فتح الأبواب أمام صراع ما، لا تعني بالضرورة إمكانية حسمه.

الانتظار في حالتنا الشرق أوسطية، أصبح سمة بارزة من سمات الصراع على مستقبل المصالح والنفوذ في رقعة جغرافية واسعة وحيوية على المستوى العالمي، خصوصاً أن الصراع بين القوى الكبرى يزداد شراسته، وهو بحاجة لمسرح إقليمي، وفي هذه الحال، فإن الشرق الأوسط أصبح مسرحاً مثالياً لخوض الصراعات بين تلك القوى، في الوقت الذي أصبحت فيه القوى الإقليمية غير قادرة على النأي بنفسها عن هذا الصراع، وهي أضعف من أن تكون وحدها مقرّرة في مساراته ونتائجه، لكن أحد مؤشرات ومستويات الخطورة تكمن في أن الصراع لم يعد حكراً على الحكومات ومؤسساتها وجيوشها، فقد دخلت على الخط منظّمات غير رسمية، من فصائل وميليشيات ومرتزقة، ما يزيد من تعقيدات الصراع نفسه، ويجعل من أي تصوّر لحسم قريب مجرد فانتازيا، لا تصريف واقعياً لها.

مثلث المشرق العربي (العراق، سوريا، لبنان)، هو مثال نموذجي على تداخل مستويات الصراع بكل مضامينه الدولية والإقليمية والمحلية، ففي دول هذا المثلث، أصبحت القوى غير الحكومية جزءاً لا يتجزأ من ديناميات الصراع، من دون أن تخفي طابع ولائها الأيديولوجي لقوى خارجية، بعد أن انهارت إلى حدّ كبير السياقات الوطنية للصراع، وغابت إمكانات الوصول إلى تسويات ذات طابع وطني خالص، وهو أمر يمكن فهمه بعد الانهيار الكبير الذي لحق بمشروعية الدولة الداخلية، وعدم قدرتها على تحقيق مقوّمات السيادة الرئيسية، وأبسطها احتكار العنف، أو ضمان أمن الحدود الوطنية، وسيادتها على اقتصادها، وتحقيق مستوى خدمات معقول للمواطنين، وهو ما أصبح خارج إمكانات الحكومات في المثلث المشرقي.

الإحصائيات والأرقام المتعلقة بالواقع المعيشي للسكان في دول المشرق العربي، تظهر مستوى الكارثة السياسية التي تمرّ بها هذه الدول، ففي العراق، وبحسب إدارة التخطيط العراقية، فإن حوالي ثلث السكان يعيشون تحت خطّ الفقر، في بلد يحتل المرتبة الخامسة عالمياً في الاحتياطات المؤكدة للنفط، بينما يعيش حوالي 82% من السكان في لبنان تحت خطّ الفقر، وهو الرقم الذي يرتفع في سوريا إلى حوالي 90%، ومن غير المتوقع، ضمن أي حسابات، أن يشهد الواقع المعيشي لسكان الدول الثلاث أي تحسّن من دون حصول تسويات سياسية كبرى، مترافقة مع إصلاحات هيكلية جذرية في مؤسسات الحكم والحوكمة، تجعل من الممكن حدوث تدفقات مالية إقليمية ودولية تسهم في إنعاش دورات الإنتاج، وتحسين الواقع المعيشي.

لا تبدو التسويات السياسية في المشرق العربي أنها قريبة، فعلى سبيل المثال لا الحصر، يدور مسار اللجنة الدستورية للحلّ في سوريا، والمدعوم شكلياً من الأمم المتحدة، في دائرة مفرغة، وهو أمر لا يفاجئ أحداً، إذ إن التوافقات بين اللاعبين الكبار لم تنضج بعد، ما يجعل تأجيل الحلّ السياسي الأمر الوحيد الممكن في اللحظة الراهنة، ومع غياب أي معطيات جدية لرسم خريطة طريق لحلّ أزمات المشرق العربي، فإن الوصول إلى منظومة أمن واستقرار جديدة، وقابلة للديمومة في الشرق الأوسط، سيبقى مؤجلاً لأمد غير معروف.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"