لبنان والاستحقاقان النيابي والرئاسي

00:53 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. خليل حسين *

ليست سابقة، أن يواجه لبنان استحقاقين في وقت واحد، أو تحديات تتصل بطبيعة النظام، لكن هذه المرة على موعد في استحقاق انتخابي برلماني منتصف مايو/ أيار القادم، يليه انتخاب رئيس للجمهورية في أكتوبر / تشرين الأول، وهما موعدان متصلان بمجموعة لا حصر لها من العوامل والمؤثرات الداخلية والخارجية الوازنة في نتائجهما.

 ففي الاستحقاق الانتخابي البرلماني، ثمة شد وجذب غير مسبوقين في الحياة السياسية اللبنانية، إذ تراهن الأطراف المختلفة في توجهاتها ومشاريعها على تغيرات في موازين القوى الداخلية، بهدف نقل لبنان من ضفة إلى أخرى، حتى الوصول إلى سياسات عزل أطراف وبمعنى آخر، هي محاولة لرسم سياسات متصلة بطبيعة تركيبة النظام وصولاً إلى تنظيم عقد اجتماعي سياسي جديد يرسم أسس النظام لعقود قادمة.

 وعلى الرغم من حدة المنافسة، ثمة عوامل خارجية تلعب دوراً رئيساً في الانتخابات أولاً، وطبيعة النظام الذي تتطلع إليه مختلف الأطراف ثانياً. ورغم أهمية وحدة هذا التنافس فإن العوامل الخارجية تبقى لها كلمة الفصل في هذا السياق، فالمحطات الرئيسة التي رسمت صورة النظام اللبناني وأسسه، لم تكن نتيجة انتخابات نيابية أو رئاسية، بل إن التسويات التي كان يتم التوصل إليها، انجبت مجالس نيابية، ومن ثم رئاسية في ما بعد. ومن أبرزها مثلاً ميثاق 1943 ومن بعدها التسوية التي تمت بوصول الرئيس فؤاد شهاب إلى الرئاسة، ومن بعدها سلسلة المشاريع التي ظهرت إبان الحرب الأهلية وصولاً إلى اتفاق الطائف 1989 ومن بعدها اتفاق الدوحة 2008 الذي انجز تسويات انتخابية برلمانية ورئاسية، ما زالت تداعياتها قائمة إلى اليوم.

 وما يميز الاستحقاق البرلماني هذه المرة دخول مؤثرات خارجية طاغية، وذات طبيعة تأسيسية، ما يفاقم حدة المنافسة إلى درجة تأثيرها في إمكانية إلغاء الانتخابات أو تأجيلها وهو سيناريو محتمل وقائم بقوة. وما سيفاقم الأزمة في مثل هذه الحالة الفراغ الذي سيؤثر بالتأكيد في الاستحقاق الرئاسي، وعندها سيكون لبنان في أزمة مزدوجة، انقسام عمودي حاد، ووسط تلاشي المؤسسات الدستورية الفاقدة لفعاليتها أصلاً.

 إن الوصول لذلك الظرف سيؤدي إلى فوضى عارمة، وفتح أبواب الأزمة على المجهول، وهو أمر سبق للبنان أن مر به نهاية ولاية الرئيس أمين الجميل في 23 سبتمبر / أيلول 1988، حيث سلم السلطة لحكومة عسكرية برئاسة قائد الجيش آنذاك العماد ميشال عون، وسط اقتتال داخلي لم يشهد لبنان مثيلاً له في تاريخ حروبه المتتالية، ولم تنته الأزمة مبدئياً إلا عبر اتفاق الطائف الذي رتب انتخابات رئاسية أتت بالرئيس إلياس الهراوي بعد اغتيال الرئيس ميشال معوض، ومن بعدها نظمت انتخابات نيابية كرست نظاماً سياسياً ما زال قائماً إلى الآن بعيوبه التي لا تعد ولا تحصى والتي تنصل منها الجميع من دون استثناء.

 تطالب اليوم مجمل الأطراف السياسية اللبنانية بانتحابات برلمانية ورئاسية، تقود لبنان إلى عقد اجتماعي جديد غير واضح المعالم والشكل حتى الآن، ورغم مطالبة كل الفرقاء سراً وعلانية بذلك، إلا أن أحداً لم يجرؤ حتى الآن على تقديم برنامج أو تصور ذا شأن.

 ربما اليوم لبنان بحاجة إلى معجزة للخروج مما هو فيه، في وقت تعج التدخلات الخارجية بمختلف تفاصيله، ورغم ذلك الكل مشغول بقضاياه، ولا وقت لديه ليقدم أمراً للبنان، وهو أمر لا يريد اللبنانيون تصديقه أو الاقتناع به، فهل سيصل لبنان إلى تلك المرحلة التي لا يحسد عليها؟.. ثمة وقائع كثيرة تعزز ذلك للأسف.

* رئيس قسم العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في القانون الدولي .. رئيس قسم العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية واستاذ القانون الدولي والدبلوماسي فيها .. له أكثر من 40 مؤلفاً ومئات المقالات والدراسات البحثية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"