كلايد روسل *
تحاول أسواق الصلب وخام الحديد في آسيا الربط بين عمليات الإغلاق الصينية الأخيرة بسبب فيروس كورونا والخسارة المحتملة للصادرات من روسيا وأوكرانيا. وبينما يمثل العامل الأول منحى هبوطياً بالنسبة للأسعار، حيث إن إنتاج الصلب في الصين قد ينخفض في بعض مناطق البلاد، مثل تانجشان، فضلاً عن التأثير المحتمل على النمو الاقتصادي، يُعد العامل الثاني هبوطاً وتصاعداً في آن واحد، اعتماداً على ما يتكشف عنه الصراع العسكري والجيوسياسي بين موسكو وكييف.
تعتبر كلٌّ من روسيا والصين مُصدّرين رئيسيين للصلب في العالم، فالأولى شحنت حوالي 28 مليون طن في السنوات الأخيرة، لتحتل المرتبة التالية مباشرة خلف اليابان، لكنها لا تزال بعيدة عن الصين صاحبة المركز الأول ب 52.63 مليون طن من صادرات الصلب في عام 2021، بحسب البيانات الرسمية.
أما اللاعب الثالث أوكرانيا فتصدر هي الأخرى حوالي 15 مليون طن من الصلب سنوياً، لتحتل المرتبة الثامنة، وهي أيضاً خامس أكبر شاحن لخام الحديد في العالم، ب 21.26 مليون طن العام الماضي، على الرغم من أن الأحجام تُعد صغيرة مقارنة بأكبر المصدرين، أستراليا ب 884 مليون طن والبرازيل في المركز الثاني. وفقاً لأبحاث «رفينيتيف».
ومنذ بدء العمل العسكري الروسي في أوكرانيا وفرض العقوبات الغربية على موسكو، تراجع المشترون الدوليون عن طلباتهم من الصلب، بالرغم من أن التأثير الكامل للعقوبات قد يستغرق عدة أشهر قبل أن يصبح واضحاً. وتأثرت الشحنات الأوكرانية أيضاً نظراً لوجود بعض الموانئ الرئيسية في البلاد بالقرب من ساحات القتال، ما يعني أن مالكي السفن وشركات التأمين والتجار على حد سواء سيُحجمون عن تحميل الشحنات أو نقلها.
صحيح أن هذا الوضع قد يبدو للوهلة الأولى صعودياً لأسعار كل من خام الحديد والصلب، وخاصة في أوروبا، التي اشترت معظم الإمدادات من روسيا وأوكرانيا نظراً للتقلص المحتمل للواردات، لكنه سيؤدي في المقابل إلى تحويل المزيد من الصلب الروسي إلى آسيا، حيث يبحث المُصدرون عن أسواق جديدة للمنتجات التي لم يعد الأوروبيون يشترونها بناء على التوترات الأخيرة.
وبينما قد تنزعج الأسواق الآسيوية في حال تم تقديم المنتجات الروسية بخصومات كبيرة على تلك التي يقدمها موردو المنطقة الأكثر شيوعاً، الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية، لكن في المقابل، سيشكل ذلك فرصاً جديدة أمام المصدرين الآسيويين الآخرين لشحن منتجاتهم إلى أوروبا، خاصة إذا كانت مصانع الصلب الأوروبية مقيدة بسبب تأثير ارتفاع تكاليف الطاقة على زيادة إنتاجهم.
عموماً، سيكون صدى استبعاد روسيا المحتمل من معظم سوق الصلب في أوروبا مسموعاً في آسيا أيضاً، ومن المتوقع إعادة مواءمة التدفقات التجارية. وسيعتمد الكثير منها على طلب الصين المستقبلي على الصلب، والذي سيتحدد بدوره من خلال المدة التي تستغرقها عمليات الإغلاق الحالية، وما إذا كان سيتبع ذلك زيادة في الإنفاق التحفيزي، حيث تسعى بكين إلى إعادة بناء زخمها الاقتصادي.
أظهرت البيانات الرسمية أن إنتاج الصين من الصلب الخام انخفض بنسبة 10% في الشهرين الأولين من العام الجاري إلى 157.96 مليون طن، من 174.99 مليون عن نفس الفترة من عام 2021. ولعبت قيود الإنتاج التي فُرضت لخفض التلوث قبل دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين دوراً كبيراً في سبب انخفاض الإنتاج، كما حدّ ارتفاع أسعار خام الحديد وفحم الكوك أيضاً من جهود المصانع للعمل بسعتها العالية. في المقابل، تراجعت صادرات الصين من منتجات الصلب في يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط الماضيين بنسبة 18.8% مقارنة بالعام الماضي، إلى 8.23 مليون طن.
لكن البداية المتواضعة للعام بالنسبة لقطاع الصلب في الصين لا تعني أن الأشهر القادمة ستتبع النهج نفسه، وهناك بالفعل بعض الإشارات الدالة على ارتفاع الإنتاج. إذ قالت جمعية الحديد والصلب الصينية، إن إنتاج الصلب الخام ارتفع بنسبة 4.61% في الأيام العشرة حتى 20 مارس/آذار الماضي مقارنة بالأيام العشرة الأولى منه.
وفي ظل التوقعات غير المؤكدة لكل من قطاع الصلب في الصين بالإضافة إلى تأثير العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، تم تداول خام الحديد وأسواق الصلب بحذر، مع قليل من التقلبات الشديدة في الأسعار في أسواق النفط الخام والغاز الطبيعي. وانتهى سعر خام الحديد المعياري، الذي تم تسليمه إلى شمالي الصين بنسبة 62%، عند 146.4 دولار للطن قبل أسبوع، بارتفاع طفيف عن إغلاق 137.20 دولار للطن في 23 فبراير، وفقاً لتقييم وكالة «أرجوس». وأغلقت العقود الآجلة لحديد التسليح في شنجهاي عند 4976 يوان (782 دولار) للطن يوم الخميس، ارتفاعاً من 4775 يوان قبل يوم واحد من بدء العمليات العسكرية الروسية.
تعكس المكاسب المتواضعة هذه في أسعار خام الحديد والصلب في آسيا انحيازاً محتملاً للسوق لفرضية أن العوامل الصعودية الناتجة عن المحفزات الصينية وخسارة الصادرات الروسية والأوكرانية ستنتصر في النهاية.
* كاتب في رويترز