مفارقات انتخابات لبنان النيابية

00:46 صباحا
قراءة 3 دقائق

د.خليل حسين *

انطلقت الانتخابات النيابية اللبنانية في ظروف هي الأشد قسوة في تاريخ لبنان الحديث، وعلى الرغم من أن هذه الظروف لا تعتبر سابقة في الحياة السياسية والانتخابية، إلا أن جميع من يشارك فيها يعلّق آمالاً كبيرة على متغيرات وتداعيات يمكن أن ترسم وجهاً آخر لصورة لبنان القادمة. ورغم الحراك الداخلي والخارجي لإجرائها، فثمة من يتخوّف من عدم إجرائها في اللحظة الأخيرة، رغم انطلاقتها المبدئية في القسم المتعلق بانتخابات المهاجرين اللبنانيين.

 والمفارقة في هذه الانتحابات تحديداً، أنها تجري وفقا لنظام انتخابي نسبي هجين الكل طالب به سابقاً، والكل وجّه أسهمه واعتراضاته عليه لاحقاً، ورغم انه جُرب في انتخابات 2018، إلا أن كثيراً من الانتقادات وجهت إليه ولم يتمكن أحداً من تعديله أو تبديله بنظام آخر.

 والمفارقة الأخرى في هذا المجال، أن طبيعة الصعوبات التي تحيط بالعملية الانتخابية تجعل من تفاصيل إجرائها وتنفيذها أمراً دونه عقبات كثيرة، فالمواطن على سبيل المثال الذي سيشارك في العملية الانتخابية سيجد صعوبات هائلة في عملية تنقله، أقله لجهة الكلفة المادية التي يمكن أن تصل إلى ما يوازي راتبه الشهري، الأمر الذي سيؤدي إلى إحجام الكثيرين عن ذلك، علاوة على منسوب الحماس المنخفض الذي يعم مختلف الشرائح اللبنانية الناجم عن عدم الإيمان بالقدرة على تغيير الطاقم السياسي الحاكم منذ ثلاثة عقود، والذي يعتبر في نظر الكثيرين المسؤول عما وصلت إليه الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.

 ثمة انقسام عمودي وشرخ كبير في الرؤى للواقع القائم وكيفية تجاوزه والخروج منه، ولو عبر إعادة تكوين السلطة بالانتخابات، وهي الطريقة الأمثل، لكنها غير الممكنة عملياً في لبنان، إذ إن مختلف الشرائح السياسية التي ترشحت للانتخابات هي نفسها، أو وريثتها السياسية والطائفية، وبالتالي ستكون النتائج متطابقة مع واقع لن يختلف عما سبقه، لاسيما وأن البرامج الانتخابية بعيدة عن حاجات ومتطلبات المواطنين، خصوصاً الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والحاجات الماسة المتصلة بحياتهم اليومية الأساسية.

 وفي المقلب السياسي الاجتماعي الآخر ثمة مقاطعة واسعة من بعض الشرائح الوازنة في الحياة السياسية اللبنانية، وغيابها سيؤدي إلى مشكلة لجهة غياب الميثاقية الوطنية في حال توسعت عمليات المقاطعة بفعل الاعتراض، أو عدم القدرة على الجذب والمشاركة، أو غيرها من الأسباب التي يمكن أن تصل إلى حد الطعن في الانتخابات ونتائجها.

 علاوة على ذلك، ثمة خوف وعدم اطمئنان كبيران من قبل كل الأطراف المشاركة، وحتى المقاطعة، من عدم قدرتها على التأثير المباشر في النتائج الحاسمة، وبالتالي إمكانية تحقيقها للأغلبية الموصوفة عبر التحالفات، أو المطلقة حتى، وبالتالي بقاء المجلس القادم مشتت القوى غير قادر على تمرير أي رؤية تغييرية. فالاستحقاق الذي سيلي الانتخابات النيابية سيكون انتخاب رئيس للجمهورية بعد خمسة أشهر، أي في فترة انطلاقة المجلس النيابي الذي سيتوجب عليه أن يكون قادراً على التوصل للاتفاق على شخصية الرئيس وبرنامجه، في وقت شكلت الانتخابات الرئاسية محطة دائمة للاختلاف وصولاً إلى مراحل فراغ رئاسي، كما حصل لثلاث محطات خلت بعد كل من الرئيس أمين الجميل، واميل لحود، وميشال سليمان.

 ومن أبرز ما ينتظر المجلس القادم استحقاقات بالغة الأهمية، من بينها مشاريع الإصلاح الاقتصادي والمالي التي تطلبها المنظمات المالية الدولية، كصندوق النقد الدولي الذي اشترط من حيث المبدأ القيام بجملة إصلاحات منذ سنوات، ولم ينفد منها شيء، الأمر الذي حرم لبنان مشاريع مساعدات هو بأمسّ الحاجة إليها في ظل انهيار مالي شامل وخطير.

 لبنان على موعد داهم مع انتخابات يعتبرها كثيرون أنها ستكون فاصلة، لكنها في واقع الأمر، وقياساً على انتخابات سابقة وفي ظروف مماثلة، لن يكون حجم التغيير متوافقاً مع تطلعات معظم اللبنانيين، وهي مفارقة عجيبة غريبة، أن يكون المتململ من واقعه غير قادر على التغيير، أو التعبير عما يجول في خلده. إنها فعلاً مفارقة بحد ذاتها، لن يتمكن أحد من حل أحجيتها.

* رئيس قسم العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في القانون الدولي .. رئيس قسم العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية واستاذ القانون الدولي والدبلوماسي فيها .. له أكثر من 40 مؤلفاً ومئات المقالات والدراسات البحثية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"