عادي

جدري القرود.. بين طمأنة المجتمع وشائعات المغرضين

«الصحة» تشيع الهدوء والأمان

00:30 صباحا
الصورة
الصورة

تحقيق: جيهان شعيب
عندما حلت جائحة «كورونا» بدول العالم أجمع، أربكت حكوماتها، وأصابت شعوبها بالذعر، كانت ولا تزال الإمارات من الريادة في كل إجراءاتها الوقائية والاحترازية التي اتخذتها لمواجهة هجمة الفيروس المؤذي، بل وأعطت للدول كافة مثالاً في كيفية استيعاب الموقف، والتعامل معه بحكمة ووعي. وبينت أن مواجهة النوازل تستلزم الدقة في الوقوف على ماهيتها، وأبعادها، والنتائج المترتبة عنها، ومن ثم وضع خطط شمولية، وموضوعية للتصدي، ولملمة الموقف بدراية، مع احتواء القيادة الحكيمة أبناء المجتمع ومقيميه، ببثّ رسائل تطمين وتهدئة للجميع، للحيلولة دون تركهم لأية مخاوف، أو توترات.

اليوم، وباء «جدري القرود» يضرب جوانب بعض الدول، الإمارات كما هي في سياستها الواعدة دوماً بالخير، وصدقيتها المشهودة، ها هي تؤكد أن الوضع الوبائي في الدولة مستقر، والوباء محدود ذاتياً، وانتقاله من إنسان إلى آخر منخفض نسبياً، ولا خوف ولا قلق، وأنها بالتعاون مع الجهات الصحية تتبع آلية ترصد وبائي وفق أعلى الممارسات العالمية، لضمان الكفاءة المستدامة، ووقاية المجتمع من الأمراض السارية، وسرعة اكتشاف الحالات، والعمل على الحدّ من الانتشار المحلي للأمراض، والفيروسات كافة، بما فيها جدري القردة.

الصورة

المصادر الرسمية

وفي ذلك طمأنت وزارة الصحة أفراد المجتمع، داعية إلى أخذ المعلومات من المصادر الرسمية في الدولة، وعدم تداول الشائعات، والمعلومات المغلوطة، إضافة إلى أهمية متابعة المستجدات، والإرشادات التي تصدر من الجهات الصحية؛ لأن هناك من يصيدون في الماء العكر، ويحاولون خلق أزمة من دونها، وهم في ذلك يشيعون الأخبار الكاذبة، والأقوال المضللة، ويحاولون تهويل الأمر، لترويع أبناء المجتمع، وبالطبع في سلوكهم لؤم مستتر، وعداء كامن، ورغبة في إحداث البلبلة، وإثارة الذعر، فالفوضى.

المجتمع الواعي

ودائماً يقال إن الحديث غير الموثوق، أو المستند إلى مصادر غير ذات صدقية، يضاعف حجم أي حدث؛ لذا فكما هو مجتمع الإمارات واعٍ، وملبٍ لتوجيهات القيادة، كما سبق حدوثه في أزمة «كورونا»، فعليه ألا يأخذ بأي من المعلومات عن المرض الجديد، إلا من المصادر المعنية، وأن يكون واثقاً تماماً بالإجراءات الرسمية كافة التي تتخذ، والانصياع التام للإرشادات، دون ترك الإذن لسماع كل غثّ من الاقاويل الباطلة، والتحليلات غير السليمة.

الالتزام بالتعليمات

وفي ذلك قال المستشار القانوني د. يوسف الشريف: دائماً تظهر الأزمات معادن الرجال، ففي ظل الأزمات، نجد وجهين أو نوعين من البشر، فهناك من يتحمل المسؤولية، ويتصدى لمواجهة الأزمات، وقد أنعم علينا المولى – تبارك وتعالى – في الإمارات بقيادة رشيدة ترفع دائماً شعار «لا تشلّون هم» لطمأنة شعبها، والمقيمين على أرضها.

وهذه المقولة طالما خرجت من حاكمنا وولي أمرنا صاحب السموّ الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، وكان لها عظيم الأثر في نفوس الجميع، لأنهم على يقين بأنها ليست مجرد كلمة، بل هي بداية للمواجهات، بقدر الأزمات التي عجزت عنها كثير من دول العالم شرقها، وغربها.

وعلى نقيض ذلك، هناك من يثير البلبلة، وينشر الشائعات التي تمسّ الأمن، والسلم الاجتماعي، وتحمل في طياتها إثارة الفتنة، وزعزعة استقرار الوطن، والتحريض على خرق القوانين، فكما حدث سابقاً في جائحة «كورونا»، نجد الآن كثيراً من الشائعات تثار عن «جدري القرود»، التي أكدت جميع الجهات المعنية، والمتخصصة أنها لا يمكن أن تكون جائحة، وإنما هو مرض عادي، ينتشر لأسباب معينة، يندر حدوثها في بلادنا، لأننا دولة متطورة، حريصة كل الحرص على التطعيمات ضد الأمراض، ونشر الوعي، والثقافة الصحية.

وهذه الشائعات، فضلاً عن آثارها الاجتماعية السلبية المذكورة، لها آثار قانونية، لأن هذه الأفعال مؤثمة، ومعاقب عليها قانوناً بنص المادة (24) من المرسوم بقانون اتحادي رقم 34/2021 في شأن مكافحة الشائعات، والجرائم الالكترونية الذي نفذ من 2-1-2022، ونصت على: «يعاقب بالسجن المؤقت، والغرامة التي لا تقل عن مئتي ألف درهم، ولا تزيد على مليون درهم، كل من أنشأ أو أدار موقعاً إلكترونياً، أو أشرف عليه، أو نشر معلومات، أو برامج، أو أفكار، تتضمن إثارة للفتنة، أو الكراهية، أو العنصرية، أو الطائفية، أو التحبيذ لأي منها باستخدام الشبكة المعلوماتية، أو إحدى وسائل تقنية المعلومات، إذا كان من شأنها الإضرار بالوحدة الوطنية، أو السلم الاجتماعي، أو الإخلال بالنظام العام، أو الآداب العامة، أو تعريض مصالح الدولة للخطر».

لذلك، نتوجه بالنصح للجميع بعدم الانصياع وراء هذه الشائعات المغرضة، والالتزام بالتعليمات الصادرة عن الجهات المعنية والمختصة في الدولة، حفظ الله البلاد والعباد من شر كل ذي شر.

لا مجال للمغالطة

ويطالب محمد صالح آل علي، مدير إدارة الحوكمة والمخاطر بوزارة الصحة ووقاية المجتمع، الجميع بالإذعان التام لما توجه إليه الأجهزة الصحية المعنية، التي تقوم بدورها الكامل في التعامل مع أية مستجدات، دون الانجراف وراء من يشيعون المخاوف بين الناس من جدري القرود وغيره، لأن الحقيقة الواقعة أن الوضع الصحي في الدولة آمن تماماً. وقال: طمأنة الجهات المختصة لأفراد المجتمع بأنه لا خوف من جدري القرود، لا يمكن، ولا مجال للمغالطة فيها أو التشكيك، فالمعنيون هم الأدرى بالأمور، والأقدر على التعامل معها، لذا فمن يلجأ إلى بثّ المخاوف، والتضليل، والتضخيم، يجب أن يقابل بعقوبة مشددة، لردعه عن زرع الفتن، وزعزعة الأمان.

ولا بدّ من تأكيد وجوب التزام الجميع بالقول الصادق، وتجنب الترويج لأي من المزاعم، أو الأقوال غير الموثوقة، والابتعاد التام عن التحدث في ما لا علم للفرد به، لتجنّب التعرض للمساءلة، فيما القيادة الحكيمة للدولة تقوم بكل ما في وسعها لتكريس الأمن والأمان المجتمعي، وتلبية الاحتياجات على اختلافها، بما لامجال معه لأي من المغرضين، والمضللين، ومروجي الشائعات.

أخطر الأسلحة

وقال المحامي عيسى أحمد شطاف إن الشائعات ظاهرة خطرة، من أخطر الأسلحة المدمرة للمجتمعات والأفراد، وفي الوقت الذي أصبحت فيه وسائل التواصل، إحدى الأدوات المهمة في ما يطلق عليه الإعلام الاجتماعي، ولما تقوم به من دور متعدد الأبعاد سياسياً، واجتماعياً، وثقافياً، ولسهولة استخدامها، وإتاحتها للجميع، أدى ذلك إلى وجود فرصة لنشر الأخبار، والمعلومات بصورة كبيرة، ومن ثم ظهور كثير من الشائعات، والأخبار الكاذبة، غير المصحوبة بمصدر موثوق. مع اعتماد عدد كبير من الأفراد على هذه الوسائل، مصدراً للحصول على الأخبار التي قد تكون مروّجة لأحد مصادر التهديد للأمن الوطني للدول، والمجتمعات.

وقد يلجأ بعضهم إلى توظيف مواقع التواصل، بشكل سيّئ في نشر الشائعات، والأكاذيب المغرضة التي تجعل المتلقي يستقبل المعلومات كما هي، دون تمحيص، وتدقيق، عما إذا كانت صحيحة، أم خطأ، وقد يؤدي هذا إلى حدوث أضرار كبيرة جداً في الأفراد، والمجتمع بأسره.

وكم من شائعة أطلقها مغرض، وسمعها، وصدقها متعجل، وأدت إلى التباغض، والعداوة، وتشتيت أسر، وتفريق جماعات، ونكبة شعوب، وترك جروح عميقة، وفرقة بين البشر، لذلك يجب أن يتحلى الجميع بدرجة عالية من الوعي، للتمييز بين الصفحات الإلكترونية، ومواقع التواصل الواسعة، التي تبحر في هامش واسع من الحرية دونما قيد، بما يستلزم الحرية المنظمة بقوانين واضحة، وصارمة، وهنا نطالب بتشديد العقوبات على كل مروج للشائعات، حماية للأفراد، والمجتمع، من أخطارها.

نهي واضح

يحسم الباحث الشرعي الدكتور سالم ارحمة، أمر ترويج الشائعات المفزعة، ونقل الأخبار غير الموثوقة، بنهي الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم عنه، حيث قال الله تعالى محذراً من هذا المسلك الذميم: {وإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ ٱلْأَمْنِ أَوِ ٱلْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ}، والمراد بالأمر هنا هو الخبر الذي يكون له أثر إذا أشيع، وأذيع، وقوله أَذاعُوا بِهِ أي نشروه، وأشاعوه.

ثم بين سبحانه ما كان يجب عليهم فعله، فقال: «ولَوْ رَدُّوهُ إِلَى ٱلرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِى ٱلْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ ٱلَّذِينَ يَسْتَنبطُونَهُ مِنْهُمْ»، أي لو أنهم ردوا ذلك الخبر الذي جاءهم، وأشاعوه دون تثبت، إلى أولي الأمر، وأصحاب الشأن، والخبرة، لعلم حقيقة ذلك الخبر. فينبغي الالتزام بالإرشادات، والتعليمات، من الجهات الرسمية، خصوصاً أن الدولة بفضل الله على أتم الجاهزية، ولديها استراتيجية متكاملة للتعامل مع الحالات، كما تعاملت بجدارة مع جائحة كورونا.

ومجتمعنا والحمد لله لديه وعي، وملتزم بتوجيهات السلطات المختصة، ولا يلتفت للشائعات المغرضة، ويستطيع تجاوز أي تحدٍّ، أو محنة، وثقته بالله ثم قيادته كبيرة، «قُلِ ٱللَّهُ يُنَجِّيكُم مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ»، وقول الشافعي: إن رباً كفاكَ بالأمسِ ما كانَ، سَيَكْفِيكَ في غَدٍ مَا يَكُونُ.

ضرر كبير

ومما يستنبط من الآية الكريمة من الآداب والأحكام، وجوب عدم إذاعة الأخبار- خصوصاً في حالات الفتن والأوبئة - إلا بعد التأكد من صحتها من الجهات الرسمية، لما في ذلك من ضرر كبير على المجتمعات، والتخويف للناس.

وفي الآية إنكار على من يبادر إلى الأمور قبل تحققها، فيخبر بها، ويفشيها، وينشرها، وقد لا يكون لها صحة، وقد «نهى النبي صلى الله عليه وسلّم عن «قيل وقال» أي الذي يكثر من الحديث عما يقول الناس من غير تثبت، ولا تدبر، ولا تبين. كما أن نشر الأخبار دون تثبت، يؤدى إلى أعظم المفاسد والشرور، لما لها من أضرار على المجتمع، تفوق أضرار انتشار الأمراض والأوبئة، وفيها إثم عظيم، وجزاء كبير، فالقانون يعاقب على ذلك لعظيم ضرره على المجتمع.

والقضاء على الشائعات يبدأ من الفرد نفسه، بعدم تداولها، أو إعادة إرسالها، فإن لم يصدقها الفرد يكفي تشويشها عليه، ودفعه للتشكك حتى بالأخبار الصحيحة، لذا ينبغي إشاعة الطمأنينة، والتفاؤل، والتبشير، فذلك منهج رباني، ونهج نبوي، أمر الله به نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله «فَبَشِّر عِبَادِ»- سورة الزمر، وقال النبي «بشّروا ولا تنفّروا، ويسّروا ولا تعسّروا»، فالتبشير بالخير يشرح الصدر، ويبعث على الاطمئنان.

وعلى العاقل أن يحفظ لسانه، وقلمه، وما لديه من وسيلة، حتى لا يكون عرضة للمساءلة القانونية الرادعة في الدنيا، والمعاقبة في الآخرة، وليلتزم بقول الله تعالى «يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُواْ أَن تُصِيبُواْ قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُواْ عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نادِمِينَ».
غاية الشامسي: استقاء المعلومات من مصادرها

غاية الشامسي

بينت الاختصاصية النفسية د.غاية الشامسي، أن من يعملون على نشر الأخبار المغلوطة أناس غير أسوياء نفسياً، تسيطر على شخصياتهم صفة حب الظهور، وجذب الانتباه، ما يدفعهم إلى تناول حدث ما، بصورة بعيدة عن الواقع، مع التهويل والتضخيم، وإضفاء إثارة غير حقيقية له، لإشاعة القلق والتوتر، وفي ذلك يروّجون معلومات خطأ ومخيفة عن جدري القرود، رغم تأكيد الدولة باتخاذ الاحتياطات كافة الواجبة لحماية المواطنين والمقيمين، من أية أوبئة، أو فيروسات، أو أمراض، لذا علينا جميعاً ألّا ننساق وراء هؤلاء الأشخاص الضعاف النفوس، الذين يتلذذون بإشاعة القلق بين أفراد المجتمع، ويجب أن يكون مرجعنا في أية معلومة ما تبثه مصادرنا الرسمية، التي كانت مصدر اطمئنان وأمان خلال جائحة «كورونا»، ووفرت كل ما يلزم من لقاحات، وتطعيمات، وفحوص، وأدوية، ومواد غذائية، فانتصرت الدولة على الجائحة.