لبنان والانزلاق نحو المجهول

00:48 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. خليل حسين

ثمة مجموعة من المعطيات والوقائع تشي بمضي لبنان بخطى ثابتة نحو المجهول، فالوضع السياسي إلى مزيد من التأزم، كما أن المؤشرات المالية والاقتصادية باتت بحكم الانهيار الشامل، علاوة على الانقسام العمودي الحاد المتصل برؤى الحلول الممكنة.

 فبالنسبة لتشكيل الحكومة لا مؤشرات جدية تسهم في قرب التوصل إلى حكومة جديدة، بل ثمة كلام حول تعثر المساعي واتفاق غير معلن على عدم تشكيل حكومة في ما تبقى من الولاية الرئاسية، وذلك لتقاطع مصالح معظم الأطراف الفاعلة للوصول إلى الفراغ الرئاسي باعتباره فرصة باتجاه الاستثمار في غير اتجاه وصولاً إلى إمكانية التوصل إلى بيئة تمهد لعقد نظام سياسي اجتماعي جديد أقله منبثق من بيئة اتفاق الطائف مع بعض التعديلات، وهو ما يحدد صورة وطبيعة الرئيس القادم. 

 وثمة من يقول إن هذه الصورة مشروطة الوصول إليها عبر فراغ رئاسي وإذا استلزم الأمر أيضاً نوع من الانفلات الأمني كوسيلة لممارسة الضغوط بهدف الإجبار على القبول بالحلول المقترحة، وثمة من يؤكد على ذلك كصورة نمطية عما جرى في العام 1988 بعد انتهاء ولاية الرئيس أمين الجميل وتعيين قائد الجيش آنذاك الرئيس الحالي ميشال عون رئيساً للحكومة.

 وثمة من يعتبر أن هذا الخيار هو أفضل الممكن، باعتباره يبقي الحكومة الحالية بحكم واقع تصريف الأعمال، وفي نفس الوقت هي من ستتسلم صلاحيات رئيس الجمهورية في حال قرر مغادرة القصر في الواحد والثلاثين من شهر أكتوبر/ تشرين الأول المقبل.. أما إذا لم يغادر الرئيس الحالي القصر الجمهوري على قاعدة عدم وجود حكومة أصيلة تحكم في حال الفراغ الرئاسي، فهو أمر سيترك تداعيات خطيرة على الواقع المأزوم أصلاً.

 في الجانب الاقتصادي الاجتماعي لا يبدو الأمر بأفضل حال، فثمة مزيد من تدهور العملة الوطنية أمام العملات الأجنبية إلى مستويات غير مسبوفة، معطوفة على تنامي مظاهر العوز والفقر الذي تجاوز التسعين في المئة، في وقت ازدادت مظاهر الهجرة الجماعية للبنانيين ما يهدد بشكل أساسي طبيعة التركيبة الاجتماعية والديمغرافية للواقع اللبناني.

 والمظهر الآخر الأشد قسوة وخطورة هو الإضراب العام المفتوح الذي ينظمه موظفو القطاع العام منذ ستة أسابيع، في وقت لم تتمكن الحكومة من التوصل إلى حلول ترضي مواطنيها، كما أثّر إضراب هذا القطاع على معظم القطاعات الأخرى حتى بدت جميع القطاعات العامة والخاصة في شلل تام.

 إن تركيبة النظام القائم حالياً بعد الانتخابات النيابية الأخيرة لم تنتج جديداً قادراً على إخراج لبنان وشعبه من هذه الدوامة، بل أنتجت تفاهمات غريبة عجيبة قادرة على إعادة التحكم بالكثير من مفاصل الحكم، وكأن اتفاقاً ما قد تم بين هذه القوى على أن تكون دائماً بحاجة لبعضها دون تمكن بعضها من الاستفراد بحل ترتئيه منفردة، بحيث تبقى بحاجة دائمة لبعضها البعض.

 يمر لبنان اليوم بأسوأ أزماته على الإطلاق، وهو ينزلق إلى هاوية لا قعر لها، في وقت ينشغل العالم بأزماته التي لا حصر لها. ويبدو أن اللبنانيين لم يعودوا قادرين لوحدهم على تحديد مستقبلهم ومصيرهم، ما يصعب الأمر عليهم ويجعلهم فريسة سهلة في وقت باتوا بحاجة لكل شيء.

 صحيح أن لبنان كان عرضة وبشكل دائم لأزمات ممتدة في تاريخه السياسي الحديث والمعاصر، وكان دائماً تتوفر له الظروف لتجاوز أزماته، لكن الأمر هذه المرة مختلف تماماً، بل ثمة ظروف إقليمية ودولية معقدة جداً، ومن الممكن أن يشهد لبنان انهيارات قاسية يصعب عليه تجاوزها.. للأسف.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في القانون الدولي .. رئيس قسم العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية واستاذ القانون الدولي والدبلوماسي فيها .. له أكثر من 40 مؤلفاً ومئات المقالات والدراسات البحثية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"