عقيدة السكون الاستراتيجي

00:17 صباحا
قراءة 3 دقائق

عاطف الغمري

كان لافتاً للانتباه، السؤال الذي طُرح في الولايات المتحدة بالقول: ما هو القادم في سياسة بايدن بعد زيارته للمنطقة العربية؟

وما قيل أيضاً من أن المسألة تحتاج إلى أسابيع أو أشهر لنعرف ما هو المتوقع من السياسة الأمريكية؛ أي أن الملف لا يزال مفتوحاً، في انتظار ما يستجد بعد لقاء جدة. فالمعروف أن بايدن جاء وتفكيره يدور في إطار مسلّمات قديمة لنظرة أمريكا للمنطقة، ثم كان ما قيل من أنه التقى بالقادة العرب ليجد مخاطبته بلغة جديدة، وواقع إقليمي لم يسبق أن وضعته أمريكا في حساباتها، وهو ما يعني أن الفكر الأمريكي التقليدي عن المنطقة، وجد نفسه أمام واقع متغير.

وفي خلفية هذا المشهد، كان هناك ما يجذب الانتباه في ما نشرته مجلة «تايم»، بينما لا يزال بايدن يتأهب لتولي الرئاسة، وهو أنه سأل فريقه المختص في السياسة الخارجية، أن يبحثوا في ما إذا كان العالم يمكن أن يعود إلى الطريق الذي كان عليه من قبل. وأضافت «التايم» إلى ذلك، أن بايدن ومعاونيه، كانوا يعرفون أن العالم لا يمكن أن يعود إلى ما كان عليه. 

والآن، فإن قراءة ما يقال في أمريكا بعد عودة بايدن، من لقاءاته مع القادة العرب في جدة، قد يضع نقاطاً على الحروف. فمثلاً صحيفة «نيويورك تايمز» أن كثيراً من القادة العرب لا زالوا بعد عودة بايدن إلى بلاده، يتشككون في التزامات أمريكا طويلة المدى تجاه المنطقة.

ومع تنوع التحليلات قالت صحيفة «واشنطن تايمز»، إن بايدن عاد من لقاءاته في جدة خالي الوفاض دون تحقيق نجاح أساسي.

لكن مجلس العلاقات الخارجية في واشنطن، حاول النفاذ إلى عمق المشهد، بالقول إن بايدن لديه استراتيجية للشرق الأوسط، لكنها استراتيجية توصف بالجمود، وإن هذا الجمود انعكس على سياسات أمريكا في دول المنطقة.

إن بايدن جاء إلى المنطقة ليجد واقعاً مخالفاً، كما صوره خطابه، عن وجود فراغ استراتيجي تتحرك فيه الصين وروسيا، وإن أمريكا تسعى إلى ملء هذا الفراغ.

وتلك النظرة ليست جديدة؛ بل إنها استمرار لتفكير مختلف الرؤساء الأمريكيين عن أن المنطقة في حالة سكون استراتيجي، وهي نظرة سبق أن ناقشتُها مع مسؤول كبير سابق في الخارجية الأمريكية في واشنطن. يومها سألته عن التحيز الدائم لإسرائيل، بينما يقتضي الحرص على مصالحهم في الدول العربية، أن يكون هناك توازن في معاملة الطرفين، ويومها قال لي بالنص: «عندما يدخل رئيس أمريكي جديد إلى البيت الأبيض، فإن أول ما يفعله، هو الاطلاع على ملفات القضايا المهمة التي تواجه أمريكا في مناطق العالم، ثم يحدّد سياسته في التعامل معها، وعندما يتأمل حالة النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين، فهو يجد أمامه طرفين أحدهما يتحرك بنشاط وديناميكية في خلق كافة أنواع الضغوط والتأثير في الرئيس وبقية مؤسسات السياسة الخارجية، بينما الطرف الآخر كان ملتزماً بما اعتُبر نوعاً من السكون الاستراتيجي. وكان ذلك واقعاً قائماً لم يكن الرؤساء يستطيعون تجاهله».

هذا الواقع كان يتصل به جهل بالمنطقة من واضعي سياسة أمريكا الخارجية، الذين غاب عنهم التعمّق في فهم ثقافات شعوب المنطقة، وتقاليدها وتراثها التاريخي والمجتمعي، وهو ما جعل كثيراً من الخبراء الأمريكيين يرون أن نتائج هذه السياسات، كانت تنتهي إلى التعثر والفشل.

وهذا سبق وأن تحدث عنه جيمس بيكر وزير الخارجية الأسبق، وهو يشرح أهمية البُعد الثقافي في السياسة الخارجية، وقوله إن خبرة صناع السياسة الخارجية، ضئيلة في هذه المناطق.

وكذلك ما ذكرته مادلين أولبرايت، وزيرة الخارجية في إدارة الرئيس كلينتون، من أن واضعي ومنفّذي السياسة الخارجية في الشرق الأوسط، يطبقون نظرتهم المستخلصة للمنطقة دون تعمق في معرفة ثقافات شعوبها.

جاء بايدن إلى المنطقة متحدثاً عن أنه يرى منطقة فراغ، في إشارة إلى ما اعتبره تمدّداً صينياً وروسياً لملء هذا الفراغ، بينما الواقع الظاهر أمامه يخالف هذا التصور. ومن هنا، تعددت التساؤلات في أمريكا عن استراتيجية بايدن بعد زيارته للمنطقة؟

بالقطع، فإن بايدن، أدرك أن هناك تحولات تحدث تمثّل مواقف مستجدة من دول المنطقة في سياساتها الخارجية ، وتعاوناً إقليمياً يتأسس على مفاهيم مشتركة وعلاقات جديدة، وتعاوناً في مختلف المجالات.

تبقى قاعدة مهمة لا أعتقد أنه يمكن أن تغيب عن المختصين، في مجلس الأمن القومي، أو في الإدارات المختصة، وهي ضرورة التزام السياسة الخارجية، وخاصة في الشرق الأوسط، بمبدأ تبادلية المصالح، وهو ما يعني تعديل حركة ميزان القوى، بما يزيد من رجحان كفة دول المنطقة في هذا الميزان. 

القضية الآن، أن هناك تحركاً ديناميكياً غير مألوف أمام صانع القرار الأمريكي، وهو ما يُفترض أنه يغير  بالضرورة  النظرة المسبقة لعقيدتهم عن السكون الاستراتيجي العربي.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"