نهاية «عصر الوفرة»

00:43 صباحا
قراءة دقيقتين

يونس السيد

قد تبدو تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، مؤخراً، حول نهاية «عصر الوفرة» وضرورة التكيف مع «التحولات الكبرى» الجارية في العالم، على خلفية تداعيات جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا وأزمات التضخم والطاقة والمناخ، صادمة بالنسبة لكثير من الفرنسيين والعالم الغربي عموماً، ولكنها تكشف عما هو أبعد بكثير من الشفافية والدعوة للتقشف وشد الأحزمة لفترة طويلة قادمة.

إذا كان استشعار ماكرون بخطورة المرحلة يهدف إلى إعداد الفرنسيين لفترة مقبلة تبدو ملامحها قاتمة، ويطالبهم بالتضحية ثمناً ل«الاستقلال» الفرنسي والأوروبي، كما يقول، فإنه لم يتطرق مطلقاً للأسباب أو السياسات التي أوصلت الفرنسيين إلى هذه الحال. والأهم أنه يطالب الفرنسيين، بالتخلي عن الرفاهية وعن الوفرة في المال والماء والسلع والتقنيات، وسط الغلاء وارتفاع الأسعار، كجزء من ذلك الثمن. لكن ماكرون نسي، على ما يبدو، أن قلة من الفرنسيين، هي من تستحوذ على المال وتعيش الرفاهية، بينما الملايين من الشرائح الاجتماعية الفقيرة والعاطلين عن العمل، هم ضحايا هذه السياسات، وهم من يدفع الثمن في النهاية، لكنهم أيضاً هم من سيشعل الانفجار الاجتماعي القادم في حل حصوله.

ومن اللافت أن ماكرون اعترف بهذه الحقيقة عندما حذر حكومته من أن الفشل يعني أن الفرنسيين ستكون لهم «ردة فعل». وفي هذا الصدد تشير آخر استطلاعات الرأي إلى أن 60 في المئة من الفرنسيين يدعمون تحركات «السترات الصفراء». ولكن ماذا عن ألمانيا وبريطانيا وبقية دول القارة العجوز؟ ففي بريطانيا يخيم شبح الاضطرابات الاحتجاجية والخدمية، وتحولت هذه الاضطرابات موضوعاً أساسياً على رأس برامج المتنافسين على خلافة بوريس جونسون في رئاسة حزب المحافظين والحكومة المقبلة.

وربما يكون الأمر أشد قسوة في ألمانيا لاعتمادها بصورة أساسية على الطاقة والغاز الروسيين، خصوصاً مع اقتراب فصل الشتاء في ظل عدم توفر البدائل الكافية لسد النقص في الإمدادات، وانعكاس ذلك على القطاعات الصناعية والإنتاجية. ومع ذلك تصر ألمانيا على مواصلة دعمها لأوكرانيا وتزويدها بالسلاح، رغم إدراكها مسبقاً بأنها ستدفع الثمن، لكنها تتجاهل أن من يدفع فاتورة ارتفاع تكلفة الغاز والغلاء عموماً هم الألمان أنفسهم. هذه الحال تنطبق على أغلبية الدول الأوروبية، وجزئياً على الولايات المتحدة، التي قال مسؤولون فيها قبل أيام، إنه لم يعد لدينا وقود كاف لتشغيل جميع المحطات النووية.

يخفي السباق الغربي على دعم أوكرانيا وتسليحها، صراعاً محتدماً وعملية شد للحبال داخل دول القارة العجوز، إذ بينما ترى ألمانيا وفرنسا وإلى حد ما إيطاليا، ضرورة التوصل إلى حل الأزمة الأوكرانية بالطرق الدبلوماسية، فإن دول وسط وشرق أوروبا، وبولندا ودول البلطيق والدول الاسكندنافية وفنلندا، فضلاً عن بريطانيا، تعارض ذلك بشدة، طالما أن واشنطن تواصل دعمها لأوكرانيا، لكن في النهاية يحاول الجميع إخفاء هذه الخلافات حفاظاً على الوحدة الأوروبية. وفي الحقيقة فإن ماكرون قرع جرس الإنذار نيابة عن الاتحاد الأوروبي والعالم الغربي عموماً.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bdxuuprb

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"