عادي

«الشباب».. شوكة في جسد الصومال

23:53 مساء
قراءة 4 دقائق

د. أحمد سيد أحمد *

يعد الإرهاب الذي تمارسه حركة «الشباب» الإرهابية، تهديداً للسلم والأمن في القرن الإفريقي، وعائقاً أمام تحقيق التقدم والاستقرار والتنمية في الصومال منذ سنوات عدة، فالأعمال الإرهابية التي تقوم بها الحركة، تمثل نزيفاً مستمراً في جسد الصومال، يدفع ثمنه الشعب الصومالي.

كثفت حركة «الشباب» الإرهابية من هجماتها وعملياتها الإرهابية داخل الصومال وخارجه، خاصة في كينيا في الفترة الأخيرة، وتجاوز عدد عملياتها أكثر من مئة عملية إرهابية في عام 2022 كان أبرزها هجومها الشهر الماضي على «فندق حياة» وسط العاصمة مقديشو، وأدى إلى مقتل 21 شخصاً وإصابة آخرين، وكذلك العملية الإرهابية التي قامت بها الحركة في ولاية هيران هذا الشهر، وأدت إلى مقتل 17 شخصاً، وقبلها العمليات العسكرية النوعية على القاعدة العسكرية المحصنة بمطار مقديشو والتي تستضيف بعثة قوات الاتحاد الإفريقي وعدداً من السفارات الأجنبية، وتنوعت أهدافها ما بين حكومية ومدنية، إلى جانب استهداف بعثة القوات الإفريقية.

أهداف حركة «الشباب»

تسعى الحركة الإرهابية من وراء تكثيف عملياتها الأخيرة إلى تحقيق عدة أهداف:

*أولاً: إثبات أنها موجودة وقادرة على الاستمرار وتهديد الحكومة الصومالية، وأنها تمتلك القدرة على القيام بعمليات إرهابية نوعية موجعة على الرغم من الضربات التي تعرضت لها خلال الفترة الأخيرة سواء من جانب القوات الأمنية الصومالية أو بسبب الضربات الأمريكية، وأدت إلى مقتل أكثر من خمس أعضاء الحركة، أي مقتل 800 شخص من بين خمسة آلاف عنصر هم أعضاء الحركة وفقاً للتقديرات الأمريكية، وأن الحركة قادرة على تعويض خسائرها من خلال تجنيد عناصر جديدة.

*ثانياً: تسعى الحركة إلى توجيه رسائل لأمريكا بقدرتها على التواجد والاستمرارية خاصة بعد قرار الرئيس بايدن بإعادة انتشار القوات الأمريكية في الصومال (نحو 500 عنصر)، بعد أن قام الرئيس ترامب بسحب تلك القوات في يناير/ كانون الثاني 2021 وهو ما أسهم نسبياً في تزايد وتمدد نشاط حركة «الشباب».

*ثالثاً: تسعى الحركة الإرهابية لإظهار ضعف وفشل قوات الجيش وقوات الأمن المحلية الصومالية في حفظ الأمن والاستقرار من خلال القيام بعمليات نوعية داخل العاصمة، خاصة بعد تولي الرئيس حسن شيخ محمود لولاية ثانية، وإعلان حربه على الإرهاب بعد هجوم فندق حياة. وقد استطاع الرئيس حسن خلال فترة حكمه الأولى ما بين 2012 و2017 تحجيم نفوذ حركة «الشباب» وتحرير 39 مدينة صومالية.

*رابعاً: تسعى الحركة إلى استعراض قوتها أمام الشعب الصومالي، واستغلال الظروف المختلفة التي تواجهها البلاد، للسيطرة على مناطق ومدن جديدة داخل الصومال.

بيئة رخوة

يمكن القول إن تزايد نشاط حركة «الشباب» في الصومال يعود بشكل أساسي إلى:

*أولاً: البيئة الرخوة الصومالية، السياسية والأمنية والاقتصادية والبيئية؛ حيث تعاني الحكومة الفيدرالية والدولة الصومالية هشاشة كبيرة مع ضعف سيطرتها على كامل البلاد، في ظل حالة عدم الاستقرار السياسي، كذلك استشراء الفساد في المؤسسات الصومالية وضعف أجهزة الدولة الإدارية، وأمنياً ضعف الجيش وقوات الأمن الصومالية في فرض الأمن والنظام وبسط السيطرة على كامل الأراضي الصومالية، وهذا يعود إلى غياب التمويل اللازم لبناء وتقوية أجهزة الأمن الصومالية لتكون قادرة على مواجهة حركة «الشباب»، كذلك غياب التنسيق الأمني والاستراتيجي في مواجهة الحركة التي تعمل بأسلوب حرب العصابات من خلال الكر والفر والتخفي داخل المدنيين، وتطوير قدراتها التكنولوجية والمعلوماتية في تنفيذ عملياتها، كما أن وحدة القوات الخاصة الصومالية «دنب» تحتاج إلى تمويل، لمواجهة حركة «الشباب». واقتصادياً، يعاني الصومال أزمة اقتصادية كبيرة مع تدهور معيشة السكان، بسبب غياب التنمية. وبيئياً، فاقمت العوامل البيئية والتغيرات المناخية من تردي الأوضاع الاقتصادية؛ حيث أدت إلى التصحر وانتشار الجفاف وتعرض أكثر من خمسة ملايين شخص لخطر الجوع والمجاعة، وتوظيف الحركة الإرهابية حالة الفقر والبطالة والمجاعة، لتجنيد المزيد من العناصر، وإظهار فشل الحكومة في تلبية حاجات المواطنين.

كذلك فشلت بعثة الاتحاد الإفريقي ( أميصوم) التي تحولت في إبريل/ نيسان الماضي إلى بعثة انتقالية تسمى (أمتسوم)، في القضاء على أو تحجيم حركة «الشباب»؛ بل كانت محل استهداف من عناصر الحركة، ولا شك أن انسحاب البعثة الإفريقية بشكل كامل في 2024 من دون تقوية قوات الأمن الصومالية، يمثل فراغاً كبيراً ستسعى الحركة إلى توظيفه لبسط نفوذها، إضافة إلى فشل الجهود العسكرية الأمريكية في القضاء على الحركة أو تحجيمها، لأنها تعتمد على الضربات الجوية عبر الطائرات من دون طيار.

المواجهة الشاملة

مواجهة حركة «الشباب» الإرهابية يتطلب رؤية شاملة سياسية وأمنية وتنموية وثقافية، من خلال إعادة بناء الدولة الوطنية الصومالية وهياكلها الإدارية ومحاربة الفساد، وإعادة بناء أجهزة الأمن الصومالية من قوات الجيش والشرطة، وتسليحها وتدريبها وتمويلها لتكون قادرة على بسط الأمن والنظام في كل أنحاء البلاد، وهنا تبرز أهمية رفع الحظر الدولي عن صادرات الأسلحة للصومال، لتقوية الجيش الصومالي في مواجهة الحركة الإرهابية. وزيادة الاعتماد على المعلومات الاستخباراتية، واستخدام الأسلحة الذكية في التعامل مع الحركة، وتجفيف مصادر تمويلها الخارجية والداخلية؛ حيث تعتمد الحركة على فرض الرسوم والضرائب والزكاة في المناطق التي تسيطر عليها في جنوب ووسط البلاد، وتجمع سنوياً 180 مليون دولار، ما يجعلها من أغنى التنظيمات الإرهابية عالمياً، وتستخدمها في شراء الأسلحة، وتجنيد عناصر جديدة خاصة من عشيرة الماجرتين. كذلك المواجهة التنموية من خلال تحقيق التنمية، وتوظيف موارد الصومال الطبيعية والبشرية، وتحسين مستوى معيشة المواطنين. وهنا يبرز دور المجتمع الدولي في مساعدة الحكومة الصومالية في تحقيق التنمية، كذلك المواجهة الثقافية والفكرية لسحب البساط من تحت أقدام حركة «الشباب» الإرهابية التي توظف الدين والشريعة الإسلامية لأغراض سياسية، إضافة إلى وقف التدخلات الإقليمية والخارجية في شؤون الصومال.

إن وجود واستمرار وتزايد نفوذ حركة «الشباب» الإرهابية هو عرض لمرض؛ وهو غياب وضعف الدولة الوطنية الصومالية، وبالتالي فإن المواجهة الأمنية لن تكفي وإنما تتطلب المواجهة الشاملة للقضاء على الإرهاب الذي تمثله الحركة، وكذلك إرهاب تنظيم «داعش» في الصومال الذي ينشط في بونتلاند، وهو ما يفاقم من الوضع الصومالي في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية والبيئية، ويهدد الاستقرار الإقليمي.

* خبير العلاقات الدولية في الأهرام

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2p8z99my

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"