إشكالية التغطية الإعلامية الغربية لاحتجاجات إيران

00:31 صباحا
قراءة 3 دقائق

عائشة عبد الله تريم

أصدر النظام الحكومي الإيراني على مدى عقود قوانين لم تفرض قيوداً مجتمعية فحسب، بل كانت طريقة تنفيذها غير إنسانية أيضاً. فحرية الرأي والتعبير بجميع أشكالها تقريباً تلاشت على أرض الواقع، إذ دأبت الحكومة على قمع الاحتجاجات بالقوة إلى جانب فرض تعتيم إعلامي عليها.

شهدت إيران في عام 2021، انتخاب رئيسها الجديد إبراهيم رئيسي، الحليف المتشدد للمرشد الأعلى الحالي علي خامنئي، والذي ينظر إليه على أنه المرشح الأوفر حظاً لخلافته. شدّدت هذه الحكومة الجديدة بكامل قوتها من قبضة «كشت إرشاد» التي تترجم إلى «دوريات الإرشاد» وتعرف على نطاق واسع باسم «شرطة الأخلاق»، وهي وحدة تابعة لقوات الشرطة الإيرانية مكلفة بتطبيق القوانين المتعلقة بالزي الإسلامي في الأماكن العامة. من آخر ضحايا التطبيق الوحشي لقوانين الزي الإسلامي الشابة مهسا أميني، البالغة من العمر 22 عاماً، والتي فارقت الحياة أثناء احتجازها من جانب «شرطة الأخلاق» لانتهاكها قانون الحجاب. وقد أثار موتها احتجاجات في إيران وجميع أنحاء العالم تطالب الحكومة بإنهاء هيمنة «شرطة الأخلاق»، ومراجعة القوانين الإسلامية للنظام الإيراني، وإحقاق العدالة لأميني.

لقد غطت وسائل الإعلام العالمية الاحتجاجات بحماس كبير وبطريقة محقة، ولكن كما هو الحال مع الكثير من أشكال هذه التغطية، رأينا كيفية التركيز على ما حدث من وجهة نظر غربية ضيقة. في الحقيقة، تقع على عاتق وسائل الإعلام مسؤولية عالمية تتمثل في إبقاء عدسات كاميراتها مفتوحة، وتغطيتها متواصلة لتقديم يد العون لشعب يعاني الاضطهاد والظلم في محنته، ولكن من مسؤوليتها أيضاً أن تدرك وتفهم أن خطابها وتحليلها ينبغي أن يشمل صورة أكبر وأعمق مع ضرورة الحرص على النظر في التداعيات الناشئة عن تغطيتها.

أطلقت وسائل الإعلام الغربية على الاحتجاجات في جميع أنحاء العالم ضد مقتل أميني المريع، اسم «الاحتجاجات المناهضة للحجاب» دون أي اعتبار لما يمكن أن تتركه مثل هذه التسمية على مئات الملايين من المسلمات في جميع أنحاء العالم اللواتي يخترن تغطية شعورهن تعبيراً عن إيمانهن الديني. لطالما لعبت الطريقة التي تنتج بها وسائل الإعلام الغربية الأخبار وتنشرها - سواء كان ذلك دون قصد أو مع معرفة مسبقة بالعواقب - دوراً سلبياً في تصوير غالبية المسلمين المعتدلين الذين يمارسون عقيدتهم في جوهرها الحقيقي القائم على السلام والتسامح. مجدداً، نشهد تآكل دين السلام الجميل هذا، ويبدو أنه لم يتم تعلم شيء من التنميط العنصري المجحف والأضرار العاطفية التي سببتها وسائل الإعلام بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، والتي لا يزال العرب بشكل خاص والمسلمون بشكل عام يشعرون بعواقبها عبر معظم نقاط التفتيش الأمنية في المطارات حول العالم. ويتضح أن أجيالاً من جميع أرجاء العالم ستدفع ثمن هذه العواقب المجحفة والعنصرية والمهينة الناجمة عن التغطية الإعلامية الغربية الضيقة لأحداث تجري في الشرق الأوسط.

ما يسمى ب «شرطة الأخلاق» عمل أنشأته مخيلة الحكومات المتطرفة بغية السيطرة على شعوبها، وليس لها خلفية في العقيدة الإسلامية ولم تكن موجودة تاريخياً بأي شكل من الأشكال منذ فجر هذا الدين. لقد كان ولا يزال سلاحاً للذهنية الجماعية يهدف إلى السيطرة على التعبير الفردي وإسكاته.

مع الأسف، أميني ليست أول امرأة تقع ضحية أفعال النظام الإيراني. ففي الانتخابات الرئاسية الإيرانية خلال عام 2009، شهد العالم اللحظات الأخيرة من حياة طالبة الفلسفة ومعلمة الموسيقا ندى آغا سلطان التي رصدتها كاميرا هاتف محمول بعد أن أصيبت برصاصة في صدرها. كانت تبلغ من العمر 26 عاماً.

لا يخرج الشعب الإيراني في احتجاجات لأجل «الحجاب» أو عقيدته، بل احتج ولا يزال يحتج منذ سنوات لأجل حرية التعبير عن هذه العقيدة، وهي حرية تمارسها شعوب البلدان الإسلامية في جميع أنحاء العالم. ولا تحتاج وسائل الإعلام إلى أن تتجاهل هذه الحقيقة التي تجسد رغبة الشعب الكبيرة في الحرية، ويجب أن تتحمل مسؤولية عواقب تمثيلها الملتبس لمحنة الشعوب المضطهدة.

ينبغي ألا تؤدي التغطية الإعلامية الغربية لهذه المظالم إلى توليد مظالم جديدة، ولا يتوجّب على المسلمات في جميع أنحاء العالم اللواتي يخترن ارتداء الحجاب أو ارتداء ملابس محتشمة، أن يعانين صورة نمطية تصنفهن على أنهن مضطهدات، ولا ينبغي الحكم عليهن بسبب خياراتهن أو تصويرهن كهدف لأعمال المضايقة. الحجاب ليس رمزاً مرتبطاً بنظام قمعي، كما تريد وسائل الإعلام أن تظهره للعالم، بل هو رمز يعبر عن احترام ديني ترتديه المسلمات في جميع أنحاء العالم بفخر. لدى المرأة المسلمة حرية الاختيار، وسلب هذه الحرية لا ينتمي إلى الدين الإسلامي، بل هو ديكتاتورية متخفية في رداء إسلامي.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3v6rv6dh

عن الكاتب

​رئيس تحرير صحيفة Gulf Today الإماراتية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"