جاذبية الدولار في خطر

21:53 مساء
قراءة 4 دقائق

بروفيسور. ليانغ هايمينغ *

بصرف النظر عن أزمات الطاقة والغذاء، تسبب الصراع الروسي الأوكراني بأكبر موجة من تراجع الدولار منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008. وهنا تقود روسيا فعلياً حملة فك الارتباط العالمي بالدولار، أي «عدم مواءمة عملات الدول مع الدولار الأمريكي»، لتعويض آثار العقوبات المالية التي تفرضها الولايات المتحدة على موسكو. كما أن هناك العديد من الدول الأخرى التي كثفت أيضاً من جهودها لذات الأمر بسبب المخاوف المتزايدة بشأن استعمال الدولار كسلاح فتاك من قبل الولايات المتحدة.

ويُعد رفع مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لسعر الفائدة القياسي بمقدار 75 نقطة أساس في 21 سبتمبر/ أيلول الفائت، بمثابة دليل آخر على أن الولايات المتحدة تستخدم عملتها كسلاح بالفعل من دون التفكير في عواقب ذلك على البلدان الأخرى. ويُذكر أنه الارتفاع الخامس لأسعار الفائدة، والثالث بمقدار 75 نقطة أساس هذا العام. ومن خلال قيامه بهذه الخطوة، يضرب المركزي الأمريكي عرض الحائط سنوات من كفاح اقتصادات ناشئة عملت على تعويض خسائرها والإقلاع من جديد. مثلما حدث مع دول أمريكا اللاتينية بعد أن أجبرت على الدخول في أزمة ديون بسبب الزيادات الهائلة في أسعار الفائدة في الولايات المتحدة، أواخر السبعينات من القرن الماضي.

وبسبب صعود الصين والاقتصادات الناشئة الأخرى، فضلاً عن نمو الاتحاد الأوروبي والوضع الدولي سريع التغير، تجد الولايات المتحدة صعوبة في الحفاظ على مكانتها كزعيم عالمي. وحتى الاقتصاد الأمريكي الذي كان يُعتمد عليه في يوم من الأيام بدأ يترنح، ما قلل من أهمية الدولار.

وبالمنظور العام، لا يمكن لعملة أي دولة أن تصبح رائدة عالمياً إلا إذا حصلت الدولة نفسها على ثقة باقي الدول. ولهذا السبب في الماضي، حتى عندما كانت قيمة الدولار تتقلب بشكل كبير، ظنّ العالم أن الولايات المتحدة قادرة على ضبط الأمر وحل المشكلة، لكن ليس بعد الآن. فمنذ سنوات وحتى يومنا هذا، تتسارع وتيرة الدول التي تفقد الثقة بالدولار الأمريكي، لأن الولايات المتحدة لم تفشل في حل القضايا الدولية فحسب، بل فشلت أيضاً في إيجاد حلول لمشاكلها الداخلية. ما دفع بعض البلدان لتسريع حملتها، وفك ارتباطها بالدولار.

في جانب متصل، ونظراً لأن الولايات المتحدة قوة اقتصادية ومالية ضاربة، فإن الشركات الكبرى من جميع أنحاء العالم تتدفق إلى سوق الأوراق المالية لديها لزيادة رأس المال، ما يؤدي إلى زيادة توسيع دائرتها المالية. ولكن باستخدام كل من الدولار والسوق المالية كسلاح، ودفع الإدارة الأمريكية العديد من الشركات الصينية إلى الخروج من سوق الأسهم، ربما تتأرجح القيادة المالية للولايات المتحدة والمكانة العالمية للدولار.

ومع ذلك، تشير المحاولات العديدة الفاشلة التي جرت في الماضي لإزالة الدولار من الاقتصاد العالمي إلى أنه من الصعب تغيير الوضع العالمي للدولار. وكما قال وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر: «من يسيطر على المال يسيطر على العالم». كما أن الولايات المتحدة نفسها لن تقف مكتوفة الأيدي عندما تهدد عملة أخرى هيمنة دولارها، وستبذل في الواقع قصارى جهدها للحفاظ على تفوق الدولار الأمريكي لسنوات، وربما عقود مقبلة.

خذ على سبيل المثال حقيقة أنه في أعقاب الأزمة المالية العالمية عام 2008، أبرم بنك الاحتياطي الفيدرالي صفقة مؤقتة لمبادلة الدولار مع البنوك المركزية في الاتحاد الأوروبي واليابان والمملكة المتحدة وكندا وسويسرا، لمساعدة البنوك الأجنبية على تجاوز أزمة نقص الدولار على المدى القصير، وتحقيق الاستجابة الأنسب للأزمة. ولكن بدلاً من إلغاء صفقة المقايضة قصيرة الأجل، حولتها الولايات المتحدة إلى ترتيب دائم يستطيع بموجبه الاحتياطي الفيدرالي توريد السندات المقومة بالدولار إلى البنوك المركزية العالمية الخمسة آنفة الذكر، في أي وقت. وهدفت الخطوة الأمريكية تلك إلى ضمان استمرار الدولار بلعب دور محوري في الأسواق المالية العالمية وتعزيز مكانته بصفته «مقرض الملاذ الأخير».

وفي الماضي، لم تبذل الدول الأخرى جهوداً كافية لفك ارتباطها بالدولار الأمريكي وإزالته من اقتصاداتها، لأنها كانت تخشى أن تزداد معاناتها الاقتصادية إذا ضعف الدولار أكثر. وحتى بعد أن أدركت أن الولايات المتحدة تستخدم الدولار للحفاظ على هيمنتها المالية، تخشى العديد من البلدان من الدولة التي ستحل عملتها محل الدولار كعملة احتياطية عالمية، أن تتصرف مثل الولايات المتحدة. ولكن الآن، بعد أن بدأت البلدان والمستثمرون بيع أو مبادلة أصولهم المقومة بالدولار بأصول مرتبطة بعملات أخرى، زادت فرص انخفاض قيمة الدولار وارتفاع تلك العملات. ويبقى هناك عدد من القضايا التي تحتاج إلى معالجة لتطوير عملة احتياطي عالمية تنافس الدولار الأمريكي أو تستبدله، بما في ذلك بناء دعامة ائتمانية قوية لزيادة استخدام هذه العملة وسيولتها.

لقد جعلت الموجة الأخيرة من فك الارتباط العالمي بالدولار توجهات مؤسسات النقد الدولية، أكثر وضوحاً وانفتاحاً، وإذا أجمعت معظم دول العالم على عملة ما بأنها قادرة على أن تحل محل الدولار، فينبغي قبولها كعملة احتياطية عالمية جديدة.

* رئيس معهد أبحاث طريق الحرير الصيني وعميد معهد أبحاث الحزام والطريق بجامعة هاينان (تشاينا ديلي)

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4rvzp29m

عن الكاتب

رئيس معهد أبحاث طريق الحرير الصيني وعميد معهد أبحاث الحزام والطريق بجامعة هاينان

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"