عادي

أوكرانيا.. المواجهة المفتوحة

23:14 مساء
قراءة 4 دقائق

كتب: المحرر السياسي

تحرّك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، رسمياً لضم أربع مناطق أوكرانية من خلال التوقيع على الوثائق التي يطلق عليها الكرملين «معاهدات الانضمام». وحفل التوقيع، الذي عقد في قصر الكرملين، يمثل محاولة بوتين لضم مناطق «دونيتسك» و«لوغانسك» و«خيرسون» و«زابوريجيا»، على الرغم من أن روسيا لا تسيطر عليها بالكامل عسكرياً أو سياسياً.

هذه الخطوة، في تحدٍ للتحذيرات الدولية الصارمة بما في ذلك من الرئيس الأمريكي جو بايدن، من المحتمل أن تغلق الباب أمام الدبلوماسية لسنوات قادمة، وتؤكد بشكل شبه مؤكد حدوث المزيد من التصعيد للحرب في أوكرانيا، مع إصرار كييف على أنها ستقاتل لاستعادة جميع أراضيها، وتعهد الحلفاء الغربيين بإرسال المزيد من الأسلحة والمساعدات الاقتصادية، وذلك يعني أن الحرب باتت مفتوحة إلى أمد غير معروف.

وأثار إعلان بوتين الأخير عن التعبئة العسكرية الجزئية، التي تهدف إلى تنشيط مئات الآلاف من التعزيزات الحربية ونشرها في أوكرانيا، وعمليات التخريب لخطي أنابيب للغاز الطبيعي تابعين لشركة «نورد ستريم» في بحر البلطيق، مخاوف من أن الزعيم الروسي مستعد لفترة طويلة من الصراع «الهجين» مع حلف الناتو.

كما حذر المسؤولون الروس من إمكانية استخدام السلاح النووي للدفاع عن المناطق الأوكرانية بمجرد ضمها إلى الأراضي الروسية، ذلك لأن الهجوم على القوات الروسية هناك سيعتبر هجوماً على الممتلكات الروسية. وبالمثل، يمكن لبوتين الرد على هذه الهجمات عبر الإعلان عن الأحكام العرفية، ووضع الاقتصاد والمجتمع في روسيا بشكل كامل على أهبة الاستعداد لحرب شاملة.

وقد يؤدي ضم بوتين للأراضي إلى زيادة عزلة روسيا كما تتوقع الدول الغربية، في الوقت الذي زادت فيه حدة العقوبات التي فرضتها على موسكو. ومع ذلك، يبدو أن بوتين يأمل في أن تؤدي الحرب الطويلة في النهاية إلى إضعاف الدعم الغربي لأوكرانيا وتقليص المساعدات العسكرية والاقتصادية التي توفر شريان الحياة لكييف.

وإحدى القنوات الدبلوماسية القليلة المتبقية هي بين روسيا وتركيا، لكن حتى الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الذي ساعد على التوسط في تبادل الأسرى الأخير بين روسيا وأوكرانيا، أعرب عن رفضه لخطوات بوتين الأخيرة.

وبعد أن طرحت روسيا الاستفتاءات التي تدعم بشكل ساحق الضم، قال أردوغان إن التصويت جلب «مشاكل كبيرة»، وأعرب عن أسفه لأن الصراع لم يتم حله من خلال القنوات الدبلوماسية.

انسداد سياسي

وكان من المقرر أن يتحدث أردوغان إلى بوتين، بيد أن الأوان قد فات للتأثير في الزعيم الروسي لتغيير المسار إذا كان ذلك ممكناً. وقال أردوغان إن هذه الأنواع من المشاريع تضغط على الجهود الدبلوماسية وتؤدي إلى تعميق عدم الاستقرار، في إشارة إلى الاستفتاءات المرحلية والتعبئة العسكرية.

وسافر قادة المناطق الأوكرانية المحتلة جزئياً إلى موسكو قبل التوقيع على معاهدات الانضمام.

ووافق البرلمان الروسي على المعاهدات، مع اعتماد تعديلات على الدستور لإضفاء الطابع الرسمي على الضم، وذلك في عملية تعكس ضم روسيا لشبه جزيرة القرم في عام 2014.

وأدى ضم شبه جزيرة القرم، وهي وجهة سياحية روسية شهيرة، إلى رفع نسبة تأييد بوتين إلى مستوى قياسي بلغ 89 في المئة عام 2015، لكن من غير المرجح أن تكون المعنويات العامة قوية في المناطق الأربع الجديدة.

وربما يمثل الضم أحلك لحظة في العلاقات بين روسيا والغرب منذ الحرب الباردة، حيث حذر حلف شمال الأطلسي من أن الأضرار التي لحقت بخطي أنابيب «نورد ستريم» كانت نتيجة «أعمال تخريب متعمدة وطائشة وغير مسؤولة».

وقال الناتو في بيان: «نحن، كحلفاء، التزمنا بالاستعداد والردع والدفاع ضد الاستخدام القسري للقوة والتكتيكات الهجينة الأخرى من قبل الجهات الحكومية وغير الحكومية، وأي هجوم متعمد ضد البنية التحتية الحيوية للحلفاء سيقابل برد موحد وحازم».

عقوبات جديدة

وأوصت المفوضية الأوروبية بمجموعة ثامنة من العقوبات على روسيا، بما في ذلك تحديد سقف لأسعار النفط، وفرض حظر على المواطنين الأوروبيين العاملين في مجالس إدارة الشركات الروسية المملوكة للدولة، وفرض حظر جديد على صادرات السلع التقنية إلى روسيا.

لكن الحزمة لا تزال تتطلب موافقة بالإجماع من جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي البالغ عددها 27 دولة. وألقى كبير موظفي رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان بظلالٍ من الشك على الإجراءات الرئيسية عندما قال «إن المجر ستمنع أي عقوبات جديدة تتعلق بالطاقة». كما من الصعب التكهن بالعواقب الكاملة لإعلان الضم الذي أصدره بوتين، فمن المرجح أن تعلن روسيا بحر آزوف، بحراً روسياً داخلياً.

وتعهدت الدول الغربية بمواصلة تقديم الدعم العسكري لأوكرانيا في الوقت الذي يسعى فيه جيشها لاستعادة الأراضي الخاضعة الآن للسيطرة الروسية، على الرغم من تهديدات بوتين. لكن في السر، تشعر الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون بالقلق من أن تستخدم روسيا أسلحة نووية تكتيكية في أوكرانيا، إذ حذرت موسكو من عواقب استخدامها.

وكتب ديمتري ميدفيديف، الرئيس الروسي السابق، والذي يشغل الآن منصب نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، أن بلاده قد تفلت على الأرجح من العقاب في حال وجهت ضربة نووية لأوكرانيا، لأن الغرب سيكون خائفاً للغاية من العواقب المحتملة للرد.

الأسلحة النووية

ومنذ حقبة الحرب الباردة، حافظت روسيا والولايات المتحدة على تكافؤ نووي، حيث شكلتا معاً حوالي 90% من الترسانات النووية في العالم.

ووفقاً للبيانات التي تم تبادلها في وقت سابق من هذا العام بموجب معاهدة «ستارت» الجديدة لتخفيض الأسلحة بين موسكو وواشنطن، تمتلك روسيا 5977 رأساً نووية لقواتها الاستراتيجية، بينما تمتلك الولايات المتحدة 5428 رأساً نووية. وكل رأس حربية أقوى بكثير من القنابل التي ألقتها الولايات المتحدة على هيروشيما وناجازاكي في نهاية الحرب العالمية الثانية، وهي المرة الوحيدة التي تم فيها استخدام الأسلحة النووية.

ويحد اتفاق «ستارت» الجديد من الترسانات الاستراتيجية الأمريكية والروسية التي تشمل الصواريخ البالستية العابرة للقارات والقاذفات النووية. بالإضافة إلى ذلك، تمتلك موسكو وواشنطن أعداداً كبيرة غير معلنة مما يُعرف بالأسلحة النووية التكتيكية، وهي مصممة للاستخدام في ساحة المعركة، وتشمل هذه الأسلحة التكتيكية القنابل والذخائر المدفعية أو الرؤوس الحربية للصواريخ قصيرة المدى وتهدف إلى توجيه ضربة ساحقة للقوات في جزء معين من خط المواجهة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2p96kvj5

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"