عيسى هلال الحزامي
* لنا أن نفخر بعروبتنا، وأن نعتز بقوميتنا، وأن نتطلع لما هو أفضل في كرة القدم والرياضة بوجه عام، وأن نطمح لكل ما تصورنا أنه صعب ومستحيل في كل مجالات الحياة، كل هذا وأكثر من بعد أن قفز منتخب المغرب عالياً في المونديال القطري وتأهل إلى الدور نصف النهائي، فما بالك لو نجح في ما هو أعلى وأرفع بالوصول إلى المباراة النهائية ثم الظفر بالكأس العالمية!
* لا يأس، لا صعب، لا مستحيل.. لقد استخرج «أسود الأطلس» بملحمتهم التاريخية من مفردات لغتنا العربية كلمات ومعانيَ لم يكن لها مكان في علاقتنا كعرب بالمونديال، الذي كان ومازال مجرد بلوغه بالنسبة لبعضنا منتهى الأحلام ونهاية الآمال! فضلاً عن المشاعر الحلوة التي أسعدتنا بعروبتنا واستدعت من أعماقنا كل ما يجمعنا ويوحّدنا من المحيط إلى الخليج، إنها حقاً ملحمة كروية، خصوصاً إذا نظرنا إليها من منظور البطولة والجسارة والجرأة التي أطاحت عروش كرواتيا وبلجيكا والبرتغال وإسبانيا، ولعل أجمل وأحلى ما فيها أنها «عربية خالصة»، بأقدام عربية ورؤية عربية وإرادة عربية، ولم تكن مفارقة بأي حال أن تتحقق على أرض عربية، فهذه بدورها عساها رسالة قدرية، كي ندرك ويدركون، ونعلم ويعلمون، أننا طامحون ومغامرون، والأهم أننا قادرون.
* ولقد تجلت في عناصر الملحمة كل القيم والمبادئ التي نعمد لتأسيسها وزراعتها في عقول أبنائنا، من حيث التوكل على الله، وبر الوالدين، والإخلاص للوطن، واللعب بروح الفريق، والدفاع عن السمعة والمكانة، فنحن أمام تجربة حيّة لصوابية توجهاتنا ومصداقية كل معتقداتنا وقيمنا المستمدة من الدين والثقافة والأسرة، ومن عاداتنا وتقاليدنا العربية التي ورثناها من أجدادنا.
ولعل صور نجوم المغرب وهم يقبّلون آباءهم وأمهاتهم وزوجاتهم وأبناءهم قد جسدت كل هذه المعاني الجميلة عند مستقبليها حول العالم من الوهلة الأولى.
* ولأن الملحمة لم تنتهِ بعد، دعونا مؤقتاً نذاكر معطياتها التي بين أيدينا لنستخلص منها الدروس والعبر. فالطفرة المغربية نتيجة سبقتها مقدمات خاصة بها وبهم، ومحصلة صنعتها معادلة لا أرى عناصرها متوفرة بنفس النسب في بقية دول المنظومة العربية، فأين المحترفون بهذا الكمّ في الملاعب الأوروبية؟ وأين الحافز والشغف الفردي للاعب؟ وأين تلك الروح القتالية؟ وأين تلك الثقافة التي تقوم على الندية ولا تعترف بالدونية؟ وأين تلك القناعة التي تكرس الوطنية ولا ترى في الأجنبي خصوصية ولا أفضلية؟
.. وقطعاً للحديث بقية.