عاصفة الإضرابات الأوروبية

00:21 صباحا
قراءة دقيقتين
افتتاحية الخليج

يوشك الوضع على الانفلات في أوروبا بسبب عاصفة الإضرابات التي تجتاح عدداً من الدول منها بريطانيا وفرنسا والبرتغال وبلجيكا وغيرها وشلت قطاعات الخدمات الحيوية للمطالبة بزيادة الأجور وتحسين الرواتب وظروف العمل ومعاشات التقاعد، على خلفية موجة الغلاء وارتفاع نسب التضخم، وسط توقعات بأن تتمدد هذه الظاهرة وتكون سمة الأشهر الأولى من العام المقبل 2023.

هذا المصير الذي تواجهه أغلب الدول الأوروبية كان متوقعاً في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة، وعجز الحكومات عن تطويق الاستياء المتزايد من ارتفاع تكاليف المعيشة، وهو ما كان يحذر منه الخبراء منذ أشهر عديدة، وتحديداً مع بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا، فقد بدا واضحاً منذ ذلك التاريخ أن القارة الأوروبية ستدفع الثمن الأغلى في هذه الحرب، رغم مكابرة قادتها واندفاعهم لإذكاء نيران الصراع مع روسيا بحجة الدفاع عن أوكرانيا. والمؤشرات الأولية لهذه الأزمة المتفاقمة، كانت نذرها الأولى مع الأزمة السياسية التي عرفتها بريطانيا، وشهدت خلالها استقالة حكومتي بوريس حونسون ثم ليز تراس، وجاءت حكومة ريشي سوناك، دون أن تكون لها عصا سحرية للسيطرة على الوضع الاجتماعي المتفجر، وكانت الإضرابات التاريخية التي تشهدها البلاد، هذه الأيام، نتيجة حتمية لهذا الإخفاق الرسمي. أما فرنسا، فليست أفضل حالاً، رغم إعادة انتخاب إيمانويل ماكرون لولاية رئاسية ثانية وتشكيل حكومة بعد انتخابات الجمعية الوطنية، لكن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية ليست أفضل حالاً، وربما يحسب لماكرون أنه أسبق من غيره في دعوة مواطنيه إلى نسيان حياة الدعة والرفاه، وسط توقعات بأزمة عميقة ستغير وجه أوروبا وتربك أولوياتها التنموية، وقد تقود إلى تغيير الطبقة السياسية مثلما حدث في إيطاليا، حيث تمكن اليمين المتشدد من اعتلاء الحكم برئاسة جورجيا ميلوني.

طالما الحرب مستمرة في أوكرانيا، وارتدادات العقوبات المفروضة على روسيا تزداد قسوة، لا يبدو أن أوروبا في طريقها إلى حل أزماتها، ويبدو أيضاً أن العام المقبل سيكون استثنائياً، والسر في أزمة الطاقة، التي لم تستطع الحكومات الأوروبية إيجاد حل سريع لها، وبناء على ذلك سيكون التضخم أسوأ العام المقبل، ما قد يدفع إلى حالة انفلات شاملة تطلق العنان لاضطرابات سياسية، لن تقتصر على الداخل الأوروبي، بل ستتمدد إلى جوارها وستنعكس مباشرة على الوضع في أوكرانيا، في ضوء تعالي الأصوات الداعية إلى أن الشعوب الأوروبية أولى بالدعم من غيرها، وربما هذا هو مرمى التحذيرات من التغيرات الجيوسياسية التي ستصيب أوروبا وتدفعها إلى إعادة بناء كيانها وضبط حدود موقعها في المستقبل.

الإضرابات، التي بدأت في الدول الأوروبية الكبرى، سرعان ما تنتقل كالعدوى إلى دول شرقي القارة، التي تعيش تجاذبات عميقة وأوضاعاً هشة، وبدأ يتشكل فيها رأي عام ينتقد الأثمان الباهظة للعقوبات على روسيا. ومن الواضح أن هذا الشعور يتسع وسيدفع الناس إلى الشوارع للاحتجاج والرفض. ولا شك أن العاصفة ستكبر، ويصعب، في الوقت الحالي، تحديد مداها. ومثلما أن الكثير من الأحداث لم تكن متوقعة قبل عام من الآن، لا يمكن توقع الحال الأوروبي بعد أشهر، لأن الأزمة ضاغطة والاستياء بلغ درجة الغليان.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/29uz5ud3

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"