د. خليل حسين
يبدو أن ما مرّ به العام الحالي من أزمات وقضايا دولية وإقليمية، فتح المجال واسعاً لتأسيس صورة نمطية في العام المقبل، مفادها تفاقم الآثار والتداعيات في غير اتجاه، إنْ لجهة السياق العام للنظام العالمي القائم، أو لجهة التداعيات المتصلة بفروع ازماته المعقدة والممتدة.
فالإزمة الأوكرانية وضعت إطاراً لاستراتيجيات دولية لن يكون مداها محدداً، لاسيما وأنها اشعلت حرباً لم تعد باردة بين قطبين خبرا طويلاً أسس تلك الحروب، وايقنا خطورة تداعياتها، وعاشاها بمراحل وادوات مختلفة ومتعددة، بل بات الصراع الروسي الأمريكي أشد عنفاً عما سبقه في الحقبة السوفييتية، ومن هنا يبدو أن المشهد القادم بنسخة عام 2023 أشد قسوة وقتامة في ظل تعثر مسارب الحلول وبقائها بعيدة المنال.
فالحرب الأوكرانية التي بدت واجهة متقدمة للعديد من القضايا الصدامية بين موسكو وواشنطن، تركت تداعيات مبدئية كثيرة، تمتد في غير موقع تدار فيه الأزمات، في ظروف صدامية قاسية زادت فيها الانقسامات الدولية بين الطرفين وجرت من ورائها قضايا متصلة لا تقل خطورة عن الأزمة الأساسية، بل راكمت سلبياتها وخطوراتها لتضع العالم على شفير براكين قاتلة، كأزمات الحروب الصغيرة ذات الوجهات الممتدة من الاقتصادية كموارد الطاقة، والاجتماعية كالهجرة والصحة، وصولاً الى الأمنية والعسكرية؛ وجميعها بدت ملفات متشعبة ستوظف لاحقاً باحترافية بهدف تحقيق مكاسب ذات مستوى استراتيجي عال بأكلاف ليست كبيرة، مقارنة مع حجم نتائجها.
ويبدو ان روسيا ستستأنف في عام 2023 تنفيذ استراتيجيتها لهندسة الأمن الأوروبي من خلال مواجهة «الناتو» عبر الحرب الأوكرانية، بصرف النظرما إذا كان ذلك خياراً وقراراً خاصاً، أم فرض عليها فرضاً. وفي مطلق الأحوال، بدا ذلك المسار في الحرب الاوكرانية أمراً ممتداً في محاولة للوصول الى نهايات روسية محددة، في وقت تواجه واشنطن بأدوات ووسائل تقليدية مجربة في تاريخ الصدامات السابقة، مكتفية بتكتيك دفع الحلفاء للمواجهة من دون الانخراط المباشر، ولو مواربة عبر حلف الناتو كواجهة تشاركية. علماً أن هذه القضية تحديداً، تركت آثاراً ومجالات مفتوحة للمواجهة، وإنْ بأطر منضبطة نسبياً كساحات التوتر في الشرق الأوسط، على سبيل ألمثال لا الحصر.
إن أبرز تداعيات الحرب الأوكرانية المباشرة، حركات الهجرة والتهجير في أوروبا، والتي بسببها أيضاً فاضت حركات الهجرة باتجاه أوروبا من غير منطقة كإفريقيا وآسيا، وشكلت بدورها أعباء إضافية على المجتمع الأوروبي والدولي، اذ يشكل المهاجرون تعداداً يصل الى المئة مليون، وهو رقم مهول يوازي تعداد دول كبرى سكانياً، وسط غياب التمويل اللازم لذلك. وإلى جانب ذلك، ثمة تحديات صحية انتشرت في العامين المنصرمين، كوباء كورونا وسلالاته الممتدة، أو غيره من الأوبئة محلية الظهور، كالكوليرا أو حمى القرود، أو غيرها، وجميعها ستكون لائحة تحديات العام المقبل ايضاً، وسط غياب الرؤى الاستراتيجة القابلة للحياة والاستثمار الفاعل لمواجهة تلك الأوبئة.
وعلى هامش تلك الأزمات الاجتماعية الصحية، ثمة تحد يبدو أنه سيظل قائماً من دون حلول، كموضوع الطاقة، استخراجاً وتصديراً وإدارة، وهو ملف ذات ابعاد متشعبة لا تقتصر على الاقتصاد والمال، وانما يلامس عملياً قضايا حياتية وسلوكية يومية، تبدأ بقضايا الإنتاج المتعددة ولا تنتهي بأسلوب حياة الأسر ومطالبها، كالتدفئة في النصف الشمالي من الكرة الأرضية، حيث الصقيع يشكل عقبة كأداء في سياسات الدول العامة، وهي شكلت قضية كبرى في توريد الطاقة الى أوروبا واستثمار روسيا في هذا الإطار أوروبياً.
وثمة حفلة مستمرة من العراك السياسي في العلاقات الدولية سيظل قائماً، ومن غير المستبعد أن يتصاعد ويشكل أطراً صراعية أخرى، تبدأ بالتجارة والمال والاقتصاد ولا تنتهي حتى في المجالات الاستخبارية والأمنية، حيث يعج الشرق الأوسط وشرق آسيا، مروراً بإفريقيا وأمريكا اللاتينية بالساحات القابلة وبقوة للتحريك والاستثمار، لاسيما وأن ثمة رتلاً من الدول الناهضة التي تتطلع لبناء دور لها في النظام العالمي أو النظم الإقليمية، لذا، ومن باب الاستطراد في الاستنتاج، لا أفق واضحاً لبداية حل للعديد من الأزمات الإقليمية والدولية التي باتت جزءاً متوارثاً في حقل العلاقات الدولية دائمة التوتر.