الصناعة الأوروبية

22:54 مساء
قراءة 4 دقائق

هاريس دوكاس*

تأثرت الصناعات الأوروبية بشدة بأزمة الطاقة، وهي في وضع غير موات أمام المنافسين العالميين. ولمواجهة تحديات السنين القادمة، ستحتاج تلك الصناعات إلى دعم قوي على المستويين الأوروبي والوطني.

لقد مضى قرابة العام على بدء الحرب في أوكرانيا. صحيح أن الاتحاد الأوروبي لا يعيش أهوال الحرب نفسها، لكنه على الجانب الاقتصادي يشعر بآلامها المرة وخصوصاً نزيف الطاقة المستمر.

وعلى الرغم من هذه التطورات السلبية و«حرب الطاقة»، تُظهر بيانات «يوروستات»، وهو المكتب الإحصائي للاتحاد الأوروبي، مرونة ملحوظة في الإنتاج الصناعي للاتحاد الأوروبي. ففي سبتمبر/أيلول 2022، ارتفع إجمالي الإنتاج الصناعي بنسبة 4.9% مقارنة بالفترة نفسها لعام 2021. وذات الشيء حصل بنفس الدرجة تقريباً لشهر أغسطس/آب.

بالإضافة إلى ذلك، ساهمت الصناعة بشكل كبير في تقليل استهلاك الغاز الأحفوري في الاتحاد الأوروبي، الذي تجاوزت معظم الدول الأعضاء فيه الهدف المحدد الصيف الماضي، والمتمثل في خفض استهلاك السلعة بنسبة 15%. ومن المحتمل أن تكون الظروف المناخية المواتية قد ساعدت، ولكن كان هناك بالتأكيد وفورات في الوقود، خاصة في ظل ضغوط الأسعار الفلكية.

إذن، هل كل شيء على ما يرام مع القطاع الصناعي للاتحاد الأوروبي؟

للوهلة الأولى، وعلى الرغم من أن الاتحاد يبدو في الوقت الحالي أكثر مرونة مما توقعه الكثيرون في بداية الحرب، إلا أن الصورة العامة تخفي العديد من الجوانب السلبية. فقد تعرضت الصناعات ذات الاستهلاك المرتفع لضربة قاسية، حيث تم إغلاق عدد كبير من مسابك المعادن وصناعات الأسمدة في الأشهر الماضية. وفي جداول «يوروستات»، أظهرت فئة صناعة السلع الوسيطة، والتي تشمل إنتاج المعادن، انخفاضاً مستمراً من يونيو/حزيران 2022 فصاعداً. وإذا أضفنا بيانات الأشهر السابقة، فإن الأداء في الأشهر المقبلة ستكون له أهمية كبيرة أيضاً.

وأظهرت الأبحاث التي أجراها معهد «Ifo» الألماني في أكتوبر/تشرين الأول الماضي أن 3 من كل 4 صناعات معالجة أعلنت نجاحها في الأشهر الستة الماضية في تقليل استهلاك الغاز الأحفوري دون خفض الإنتاج. ومع ذلك، كشف نفس البحث أن أقل من 40% منهم قادرون على تقليل المزيد من استهلاك الغاز دون خفض الإنتاج.

وبالنظر إلى توقعات السياسات الحالية واتجاهات السوق من السيناريو المرجعي للاتحاد الأوروبي لعام 2050، يمكن للصناعة الأوروبية تحقيق إزالة الكربون من خلال توفير الطاقة والاستثمار الموازي في تقنيات الطاقة النظيفة الجديدة مثل الهيدروجين الأخضر والكهرباء.

وهنا تحدد مبادرة «REPowerEU» التابعة للمفوضية الأوروبية إمكانات الكهرباء، وكفاءة الطاقة، واستيعاب مصادر الطاقة المتجددة للصناعة لتوفير 35 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي بحلول عام 2030. أي ما يتجاوز هدف الاتحاد المتمثل في خفض صافي انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنسبة 55% على الأقل بحلول عام 2030. ومع ذلك، هذا لا يكفي.

من الواضح أن الأوقات الصعبة تنتظرنا. وتضع تكلفة الطاقة المرتفعة للغاية القطاع الصناعي الأوروبي في وضع غير مواتٍ للمنافسة العالمية. ومن أجل الصمود بنجاح خلال العام أو العامين المقبلين، سوف تتطلب الصناعات دعماً قوياً، ليس فقط على مستوى الكتلة ولكن أيضاً من خلال تنسيق جهود وسياسات الدعم الوطنية. لقد حان الوقت الآن لإعطاء الأولوية لاستثمارات الطاقة النظيفة والتحول إلى عمليات التصنيع منخفضة الانبعاثات. والاتجاه الحالي في جميع الاقتصادات المتقدمة الكبيرة هو توفير الدعم المتنوع للصناعات المحلية لجعلها رائدة في التقنيات والمواد والخدمات التي يتطلبها التحول الأخضر للاقتصاد العالمي.

وهذا ما تفعله الولايات المتحدة الأمريكية، مما يخل بتوازن علاقتها مع أوروبا، في حين تعمل الصين وكوريا الجنوبية على تطوير تقنيات الطاقة النظيفة الخاصة بها وفق برامج مماثلة معلنة.

لا يزال بإمكان أوروبا الضغط من أجل زيادة إنتاج البطاريات والمركبات الكهربائية والمحللات الكهربائية والمضخات الحرارية وغيرها كما ذكرت وكالة الطاقة الدولية. وتوجد بالفعل نصوص وسياسات قانونية محدثة يمكن أن تؤدي إلى توطين القطاع بعد انتقال الطاقة، وكذلك تعزيز الاقتصاد الدائري.

لقد تأخر الاتحاد الأوروبي بشكل مقلق في هذا المجال. ومن المأمول أن يدفع جرس الإنذار الذي دق مع ظهور قانون خفض التضخم الأمريكي مؤخراً الاتحاد إلى تصميم واعتماد برنامج مشابه بسرعة بحيث تكون الصناعات الأوروبية في طليعة التحول الأخضر. لكن رغم هذا، يظل السبيل إلى تحقيق تمويل مستدام لاستثمارات الطاقة النظيفة سؤالاً كبيراً محيراً بحاجة لإجابة، وهو سؤال سيحاول مشروع أبحاث برنامج التمويل الرئيسي للاتحاد الأوروبي «IAM COMPACT» معالجته.

صحيح أن الجهات الفاعلة في الاتحاد الأوروبي لديها رأسمال متاح أكثر من الاقتصادات الناشئة لتحمل مخاطر أكبر في الاستثمار وتمويل العديد من المشاريع المجمعة، لكن المخاطر تظل قائمة، سواء كان التمويل يسير في الاتجاه الصحيح لاستثمارات التكنولوجيا النظيفة أم لا.

أخيراً، قد يكون الاقتراح المقدم من المفوضية الأوروبية لصندوق السيادة التابع للاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى مقترحات الدول الأخرى لاستخدام المبالغ المدخرة من صندوق التعافي من الوباء لدعم قطاع الصناعة الأوروبي إشارات إيجابية مناسبة للنهوض بالسوق.

* أستاذ الهندسة الكهربائية والحواسيب في الجامعة التقنية الوطنية بأثينا. بمشاركة فلاسيوس أوكونومو المدير الإداري في المعهد الأوروبي لسياسة الطاقة والمناخ (يوروآكتيف)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4j3b9cta

عن الكاتب

أستاذ الهندسة الكهربائية والحواسيب في الجامعة التقنية الوطنية بأثينا. بمشاركة فلاسيوس أوكونومو المدير الإداري في المعهد الأوروبي لسياسة الطاقة والمناخ (يوروآكتيف)

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"