مقايضة الديون بمشاريع المناخ

21:34 مساء
قراءة 3 دقائق

د. محمد الصياد*
بعبارات لا تخلو من مجاملة، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، لدى وصوله يوم السبت 11 سبتمبر 2022 الى مطار كراتشي القديم، إثر الفيضانات التي نُكبت بها باكستان في شهر سبتمبر الماضي، والتي أدت إلى إغراق حوالي ثلث مساحة البلاد، إن منظمته ستدافع بقوة عما أسماه «مقايضات الديون» (Debt swaps) مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لتمكين الدول النامية، ومنها باكستان، من استخدام خدمة ديونها للاستثمار في مشاريع المرونة المناخية والبنية التحتية المستدامة والتحول الأخضر لاقتصاداتها، عوضاً عن سداد هذه الديون للدائنين الدوليين.

مبدئياً، هذا كلام جيد، لكنه لا يرقى إلى التعهد. ثم إن الأمم المتحدة لا تملك السلطة، لا القانونية ولا المعنوية (لجهة تغاير مواقع القوة بين المؤسسات التي تسيطر عليها أمريكا وإلى حد ما بعض أوروبا)، لدفع صندوق النقد والبنك الدوليين، للقبول بالتنازل عن قروضهما المستحقة على الدول النامية، ناهيك عن اقناع البنوك ومؤسسات التمويل الخاصة بذلك!

على ما يبدو، فإن أمين عام الأمم المتحدة، راقت له الفكرة التي كان قد طرحها المعهد الدولي للبيئة والتنمية (IIED)، في سبتمبر 2020، من خلال بحث عرض فيه إمكانية مقايضة الديون بمشاريع مكافحة ظواهر التغيرات المناخية وحماية الطبيعة، بما يشمل موافقة الدائنين على خفض الدين، إما عن طريق تحويله إلى العملة المحلية أو خفض دفعات خدمة الدين (الأقساط+الفوائد)، أو شطب الدين كلياً. على أن يتم استثمار الأموال التي يتم توفيرها من هذه العملية في مجالات مكافحة التغير المناخي، أو التخفيف من الانبعاثات، أو في مشاريع حماية التنوع البيولوجي. وكان كل من مركز سياسة التنمية العالمية بجامعة بوسطن

“Boston University Global Development Policy-GDP”،

ومركز التنمية التابع لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، قد نظما في 13 يناير 2022، جلسة نقاشية عبر الانترنت، حول إمكانية استخدام مقايضات الديون مقابل المناخ كحل مبتكر للأزمة المزدوجة لضائقة الديون وتغير المناخ.

إنما السؤال: ما الذي دفع الدول الغربية ومؤسساتها المالية الدائنة للدول النامية، لأن تتقبل فكرة تخفيض أو مقايضة هذه الديون؟ يبدو أنها بدأت تخشى من عواقب انفجار أزمة الديون في بعض البلدان النامية ذات الهشاشة المالية البائنة. حتى صندوق النقد الدولي نفسه، حذر من ذلك في ضوء ارتفاع أسعار الفائدة في البلدان الرأسمالية الكبرى. خصوصاً وإن البلدان النامية التي يصنفها البنك الدولي على أنها منخفضة ومتوسطة الدخل، تواجه بالفعل تكاليف مناخية مرتفعة ومرهقة باتت تفرضها الدول المتقدمة عليها في صورة تدابير مادية للمساهمة في خفض انبعاثات الكربون، وتدابير التكيف مع الكوارث التي يسببها تغير المناخ، وتكاليف الخسائر والأضرار الناجمة عن الكوارث التي لا يمكن منعها. فقد تؤدي هذه العوامل مجتمعة إلى عقد آخر ضائع للتنمية في البلدان النامية.

ومن الواضح أن صندوق النقد الدولي، وعلى لسان كبار موظفيه، لا يستسيغ هذه المقاربة، لأن مسؤوليه لا يريدون خلق سابقة لإعفاء الدول النامية من ديونها أو تخفيفها. فهم في الوقت الذي لا ينكرون وجود عائق بين الاستجابة لاستحقاقات تغير المناخ وأعباء الديون، إلا أنهم يقصرون هذا الربط على مجموعة الدول النامية العشرين الهشة (The Vulnerable Twenty – V20) التي انتقوها بناءً على حجمها وموقعها الجغرافي ومستوى الفقر والتنمية فيها. وهي تضم 55 دولة من بينها أفغانستان وبنغلاديش وبربادوس وبنين وبوتان وبوركينا فاسو وكمبوديا وكولومبيا وجزر القمر وكوستاريكا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وجمهورية الدومينيكان وإثيوبيا وإسواتيني وفيجي وغامبيا وغانا وغرينادا وغواتيمالا وغينيا وغيانا وهايتي وهندوراس وكينيا. واعتبروا أن بقية البلدان النامية لا تنطبق عليها هذه المقاربة.

تدلنا التجربة التاريخية، على أنه ما إن تطرح الدول النامية، في أي محفل، موضوع التمويل، خصوصا فيما خص النظر في إعادة جدولة الديون أو تخفيضها أو شطب جزء منها، فإن الغربيين سرعان ما يستنفرون ويشطبون هذا الموضوع من التداول. وتجربة اليونان مع دائنيها من البنوك الأوروبية وصندوق النقد الدولي، خير برهان، وكذلك الرفض الغربي القاطع في مؤتمر الأطراف السابع والعشرين الذي عُقِد نهاية العام الماضي في شرم الشيخ المصرية، لفكرة إنشاء صندوق لتعويض الدول النامية عن الخسائر والأضرار (Loss and damage)، التي تلحق بها جراء التغيرات المناخية المتطرفة. قبل أن توافق في اللحظة الأخيرة على صيغة لا تلزمها بشيء، إذ هي مشروطة بموافقة الصين والدول الأخرى ذات القدرة المالية على المساهمة في ميزانية الصندوق، وحصر التمويل في الدول الأكثر ضعفاً فقط لتلقي هذه المساعدة لتعويض كوارثها المناخية، ومعلقة أيضاً على شرط قيام الدول الفقيرة المتلقية للمساعدة بإحداث تخفيضات كبرى في مستوى انبعاثاتها.

* كاتب بحريني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/axvp9jxw

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"