وداعاً «تينا».. مرحباً «تارا»

21:36 مساء
قراءة 4 دقائق

نعومي روفنيك*

أدت الهزة القوية في الأسواق المالية التي أثارتها الخطوة المفاجئة للبنوك المركزية بالتخلي عن أسعار الفائدة شديدة الانخفاض، إلى خلق مفاهيم جديدة قادت عمليات التداول بين مديري الصناديق الاستثمارية والمتداولين، مثل مفهوم «تينا» أو عدم وجود بدائل (TINA) ومفهوم «فومو» أو الخوف من فوات الفرصة( FOMO )

ويصف اختصار «تينا»، وهو ارتفاع فقاعة الأسعار إلى مستويات غير واقعية، بسبب عدم وجود بدائل معقولة للأسهم، كيف أن السياسة النقدية الفضفاضة منذ عام 2009 حلّقت بأسواق الأسهم، لأن عوائد منتجات الدخل الثابت مثل السندات الحكومية أصبحت منخفضة للغاية.

بلغت قوة ( TINA ) ذروتها خلال أزمة كورونا عام 2020، حيث كثفت البنوك المركزية العالمية من التحفيز، واستولت على السندات الحكومية. وبحلول أواخر عام 2020، حمل هذا الدين منخفض المخاطر، ب 18.4 تريليون دولار، معه عائدات سلبية، ما يعني أن أي شخص يحمل السندات حتى تاريخ الاستحقاق يخسر أموالاً. ولكن الآن، تحولت العائدات على السندات الحكومية أخيراً إلى المنطقة الخضراء، ما زاد الضغط على الأسهم، وأزال عيباً رئيسياً في الاحتفاظ باستثمارات الدخل الثابت.

وقالت إدانا أبيو، مديرة المحفظة في «First Eagle Investments»، إن مفهوم تينا كان جيداً للمستثمرين السلبيين، لأنه يعني أن أسعار الأسهم ارتفعت بسبب انخفاض عائدات السندات. مضيفة: «سيكون هذا العام متقلباً، مع مشهد اقتصادي كلي مرتبك بشأن أسعار الفائدة والتضخم. لكن من المؤكد أن التعرض الواسع والسلبي للأسهم لن يكون النهج الرابح».

ولكن نظراً لأن التضخم المرتفع أجبر البنوك المركزية الكبرى في عام 2022 على رفع أسعار الفائدة، فقد انتهى على ما يبدو عهد TINA، تاركاً استثمارات بقيمة تريليونات الدولارات تبحث عن مأوى جديد، حيث يتكيف المستثمرون مع عصر أكثر تنوعاً. وهو ما علق عليه أندرو بولز، الرئيس التنفيذي للدخل الثابت في «بيمكو» بالقول: «هناك الآن تارا TARA حيث البديل المعقول».

بدوره يرى ديفيد داوسيت، الرئيس العالمي للاستثمارات في مدير الصندوق «GAM» بأن آثار التيسير الكمي وأسعار الفائدة الصفرية، ما زالت تؤثر في الأسواق بشكل كبير، وبأن المعدل الخالي من المخاطر، في إشارة إلى عوائد السندات الحكومية الأساسية، يمنحك شيئاً من الواقع. مطمئناً المستثمرين بأن الصناديق متعددة الأصول التابعة لمجموعته، تتمتع بثقل في الائتمان ذي الدرجة الاستثمارية قصيرة الأجل.

وفي أكبر تحركاتها منذ عقود، تضاعفت عوائد سندات الخزانة الأمريكية لأجل 10 سنوات أكثر من الضعف في العام الماضي إلى حوالي 3.6%. وبلغ العائد في ألمانيا 2.28%، مقابل أقل بقليل من 0% قبل عام.

وقال «بنك أوف أمريكا»: إن صناديق السندات سجلت تدفقات صافية لمدة ستة أسابيع متتالية حتى أوائل يناير/كانون الثاني، بناءً على تحليله لبيانات «EPFR».

يمكن أن يؤدي الركود في هذه الأثناء إلى توقف مدفوعات أرباح الشركات أو تقليصها، لكن الشركات التي تظل قادرة على الوفاء بالتزاماتها، يجب أن تستمر في دفع فوائد سنوية على سنداتها بين تاريخ الإصدار وتاريخ الاستحقاق.

وأشار نيل بيرل، كبير مسؤولي الاستثمار في مدير الأصول في المملكة المتحدة «بريمير ميتون» إلى أنه يمكنك العثور على سندات ذات درجة استثمارية بعوائد مغرية 18 شهراً حتى تاريخ استحقاقها، ما يعني بشكل أساسي أن هناك 18 شهراً فقط لحدوث خطأ ما.

قد يصبح مفهوم TARA الأكثر شيوعاً بين المستثمرين، ولكنه لن يكون سلساً، خاصة مع عودة العدو القديم لمستثمري السندات «التضخم» إلى الظهور، وهو الذي ارتفع إلى أعلى مستوياته في 40 عاماً في الولايات المتحدة وأوروبا العام الماضي، فاستجابت البنوك المركزية بأكبر ارتفاع أيضاً في الأسعار منذ عقود.

اليوم بدأت ضغوط الأسعار تتراجع، وقد أظهرت البيانات بالفعل انخفاض معدل التضخم السنوي في الولايات المتحدة إلى 6.5% في ديسمبر، من 9.1% في يونيو/حزيران الماضي.

ويتوقع بنك أوف أمريكا أن تنخفض عوائد سندات الخزانة لأجل 10 سنوات إلى 3.25% بحلول نهاية عام 2023 مع ارتفاع أسعار الديون الحكومية، ما يقود إلى رفع أصول الدخل الثابت الأخرى.

أما بايلي ويكفيلد، مديرة المحافظ متعددة الأصول في «أفيفا إنفستمنتس»، التي لم تعد تبيع السندات على المكشوف ولا تزيد من انكشافها، فلفتت إلى أن التوقعات بالنسبة للسندات أكثر إيجابية، لكنها ليست فورية. وبأننا قد نصبح بعيدين عن التداولات التي تجني المال إذا لم نحقق بعد ذروة أسعار الفائدة والتضخم.

إن النظرة التقليدية لاستثمارات الدخل الثابت التي تتفوق في الأداء خلال فترات الركود الاقتصادي معقدة، للأسباب الأكثر ترجيحاً للركود وهي التضخم المستمر وتكاليف الاقتراض المرتفعة.

في الأثناء، تصر البنوك المركزية الأمريكية والأوروبية بثبات على أن معركة التضخم ما زالت مستمرة. ويرى الاستراتيجيون في «يو بي إس» بأن مؤشر سوق الأسهم القياسي «إس أند بي» سينخفض إلى حوالي 3200 نقطة هذا العام، حوالي 17% أقل من المستويات الحالية، مرددين توقعات البنوك الأخرى القاتمة بالمثل. ويرون أيضاً أن نهاية عصر «TINA» أمرٌ مهم للغاية، وفكرة عودة السندات هي نوع من التبسيط. ومع ذلك، قد يكون اختيار أسواق السندات للحصول على مصادر دخل موثوقة الأداة الأكثر حدة، لكسب المال بالنسبة للمستثمرين هذا العام.

*مراسلة أسواق المال في (رويترز)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/c4u6yray

عن الكاتب

مراسلة أسواق المال في (رويترز)

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"