بين ضوء أخضر وآخر أحمر، تستمر أوضاع حرب أوكرانيا في التصعيد مبتعدة يوماً بعد آخر عن طريق الحل السلمي. وكل المؤشرات تقول إن هناك جولة عنف غير مسبوقة يتم التحضير لها من جميع الأطراف، فروسيا لم تتخل عن تصميمها على تحقيق أهدافها المعلنة وتعد العدة لعملية حاسمة، والغرب يراهن على تكثيف الدعم العسكري لكييف لضمان صمودها وإرغام موسكو على المفاوضات وإنهاء الصراع.
بعد أسابيع من السجال، قررت الحكومة الألمانية تزويد أوكرانيا ببضع دبابات من طراز «ليوبارد2»، وتنوي الولايات المتحدة إرسال 30 دبابة «أبرامز»، ويتم الحديث عن هذا الأمر بإطناب وكأن هذه المعدات الثقيلة ستحسم الحرب وستقلب الموازين، دون إشارة إلى أن هذه الخطوة ربما تكون الأخيرة قبل المواجهة الشاملة بين روسيا والحلفاء الغربيين، لذلك لا يمكن الاستهانة بالتحذيرات الجارية في هذا الشأن، وإذا فشلت هذه الدبابات في مهمتها أو وصلت متأخرة سيكون وضع الجبهات صعباً في ظل ما يتوالى عن تقهقر القوات الأوكرانية وانسحابات من بعض المناطق الحيوية.
متابعة يوميات الحرب، تؤكد أن هذه المرحلة حاسمة بكل المقاييس، وأن التهديدات الروسية بحرق الدبابات الغربية لا يمكن أن تكون سياسة فحسب، بل رد طبيعي على ما تعتبره «استفزازاً» قد يؤدي إلى نشوء حالة حرب مع القوى الغربية بزعامة الولايات المتحدة. وحين يطالب نائب رئيس مجلس الأمن الروسي دميتري ميدفيديف، الرئيس الأمريكي جو بايدن والمستشار الألماني أولاف شولتس ب «وقف دقات عقارب الساعات النووية»، فإن ذلك إشارة ضمنية تؤكد أن إطفاء نار الصراع في أوكرانيا بصب البنزين سيقرب العواقب غير المتوقعة. وفي هذا التوقيت لا يفيد تجاهل التحذيرات المتوالية من موسكو. كما أن ثقة الغرب في أسلحته وسياساته يجب أن تتحلى بالحكمة وألا تستهين بالخصوم، وفي صدارتهم روسيا، وألا يعتبر التنديد الروسي خشية من تلك الدبابات بقدر ما هو تحذير من الأسوأ.
منذ تفجر الأزمة في فبراير/ شباط العام الماضي، اكتفت الدول الغربية بفرض العقوبات القاسية على روسيا ودعم أوكرانيا بأسلحة دفاعية أغلبها سوفييتية الصنع، ولكن تلك العقوبات وذاك التسليح لم يغيرا في مجريات الواقع إلا قليلاً، على الرغم من أن المعطيات المعلنة تحوم حولها تساؤلات كثيرة تتعلق أساساً بالتضارب بين الخطط والاستراتيجيات الروسية والأوكرانية. وإعلان الدول الأطلسية إرسال أسلحة وذخائر ذات صبغة هجومية لا يعني أن المعركة ستحسم بسهولة، بل العكس هو الصحيح لأن اعترافات كييف تؤكد أن وضعها حرج، وحذر الرئيس فلودومير زيلينسكي من أن روسيا تستعد لعملية واسعة النطاق في الربيع، والأمر نفسه أكده جنرالات في «البنتاغون» الأمريكي.
ربما تدخل حرب أوكرانيا في الأيام القليلة المقبلة مرحلة الذروة، وهذه التقديرات يكاد يجمع عليها كل الخبراء. ومع ذلك تبقى الخشية من اللحظة التالية لأن هزيمة أي طرف ستكون مشكلة كبرى وانهياراً مروعاً لمنظومة الأمن الأوروبية والعالم بأسره، ولن يكون هناك مجال للتدارك إلا إذا اقتنعت كل الأطراف بالتروي وتجنبت مواجهة تلك اللحظة.