عام من الفرص لإفريقيا

22:05 مساء
قراءة 4 دقائق

لاندري سينيه*

على القادة الاعتماد أكثر على تقنيات الثورة الصناعية الرابعة كالذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية لإنشاء سلاسل قيمة جديدة وتعزيز المرونة الاقتصادية.
بعد عام 2021 الجيد نسبياً، والذي ارتفع خلاله الناتج المحلي الإجمالي على مستوى إفريقيا بنحو 7%، وشهدت كل منطقة في القارة نمواً حقيقياً، تباطأ الاقتصاد في عام 2022 وسط العديد من التحديات، ليس أقلها جموح التضخم والتشديد النقدي والتوترات الجيوسياسية. ومع ذلك، كان أيضاً عاماً تمكنت فيه البلدان الإفريقية أخيراً، من إسماع أصواتها على المسرح العالمي.
 وفي مطلع عام حرج آخر، مع توقع زيادة الناتج المحلي الإجمالي للقارة بوتيرة متواضعة نسبياً تبلغ 4.1%، يمكن للحكومات اتخاذ عدة خطوات لتعزيز النشاط الاقتصادي وضمان مستقبل مستدام هناك.
 وعلى صانعي السياسات، تعزيز التجارة والاستثمار من خلال «منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية»، وبالالتزام ببنود هذه الاتفاقية بالكامل، من المتوقع أن يصل الإنفاق الاستهلاكي والتجاري المشترك في إفريقيا إلى 6.7 تريليون دولار بحلول عام 2030، و16.12 تريليون بحلول عام 2050، ما يؤدي إلى تحويل سلاسل القيمة، وربما الحد من الفقر في جميع أنحاء القارة.
 وبدأت ثماني دول بالفعل، وهي مصر وتونس والكاميرون وغانا وكينيا وموريشيوس ورواندا وتنزانيا، التعاملات التجارية في إطار مبادرة التجارة الموجهة من «منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية»، العام الماضي. وللبناء على هذا الزخم في العام الجديد، يجب على أصحاب القرار تسريع تنفيذ المراحل المتبقية للاتفاقية، وتحسين التنسيق بين البلدان المعنية، وإبراز النجاحات المبكرة. علاوة على ذلك، فإن إزالة الحواجز غير الجمركية من خلال إدخال آليات الإبلاغ والمراقبة من شأنه أن يقلل من تكاليف الأعمال ويشجع البلدان على زيادة وارداتها.
 وعلى القادة السياسيين أيضاً الاعتماد بشكل أكبر على تقنيات الثورة الصناعية الرابعة، مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية لإنشاء سلاسل قيمة جديدة وتعزيز المرونة الاقتصادية. ولتحقيق الإمكانات التحويلية لهذه الأدوات، يجب احترام التزامات البنية التحتية التي قطعها القادة على أنفسهم في قمة الاتحاد الإفريقي 2022 بشأن التصنيع والتنويع الاقتصادي. وعلى صناع القرار الآخرين التفكير كذلك في الاستثمار في الصناعات المهمة استراتيجياً، مثل المستحضرات الصيدلانية والزراعة والمعالجة الزراعية وقطاع السيارات والخدمات اللوجستية. 
 ومن المفيد حقاً أن تستثمر حكومات جنوب الصحراء الكبرى أيضاً في التعليم، لا سيما في مجالات حيوية، كالعلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، والمهارات الرقمية، والسعي إلى إقامة شراكات مع الجهات الفاعلة في القطاع الخاص لتوسيع نطاق الوصول إلى خدمات المعلومات والاتصالات والهواتف المحمولة.
 وفي الوقت نفسه، ولأن المستقبل الاقتصادي لإفريقيا يتوقف بشكل مهم على قدرتها على إعادة تحديد مكانتها العالمية، يجب على الحكومات البناء على الاختراقات الدبلوماسية الأخيرة. ففي السنوات القليلة الماضية، لعبت الحكومات الإفريقية دوراً دولياً أكثر بروزاً، حيث قدمت جبهة موحدة في مفاوضات المناخ متعددة الأطراف. وقد دعا الرئيس الأمريكي، جو بايدن، الاتحاد الإفريقي إلى أن يصبح عضواً دائماً في مجموعة العشرين، ما سيساعد في ترسيخ مكانة الاتحاد باعتباره أكبر مجموعة تفاوض زراعية في العالم.  فضلاً عن أن الاتفاق على جدول أعمال مشترك سيمكّن القادة الأفارقة من تأمين التمويل للمشاريع المتعلقة بالاستدامة، وإلزام الولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي بالوفاء بوعودهم.
 ونظراً لتأثير جائحة كورونا، وارتفاع التضخم وتغيّر المناخ، في التفاوتات في الدخل والثروة في جميع أنحاء إفريقيا، أصبح العمل المنسق أكثر أهمية. ومن دون ذلك، تقدر الأمم المتحدة ما لا يقل عن 492 مليون إفريقي سينغمسون في براثن الفقر المدقع بحلول عام 2030. علاوة على ذلك، وعلى الرغم من التقدم الأخير نحو المساواة بين الجنسين في الفرص التعليمية والتمثيل السياسي، إلا أن النساء لا يزلن أكثر عرضة للعيش تحت خط الفقر الدولي، ويعانين من انعدام الأمن الغذائي الحاد، ويغادرن صفوف القوى العاملة للقيام بأعمال الرعاية المنزلية.
 ولتحقيق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، يجب على البلدان الإفريقية التركيز على توفير التعليم الجيد، والرعاية الصحية، وبرامج خلق فرص العمل التي تساوي بين الجميع، كل حسب مؤهلاته، ولا سيما النساء والشباب. كما يجب منح وكالات التنمية، مثل «وكالة التنمية التابعة للاتحاد الإفريقي»، الموارد والسلطة التي تحتاجها للوفاء بمهمتها.
 ومع ذلك، فإن بناء القدرات هذا يتطلب من الحكومات الإفريقية معالجة التدهور المؤسساتي. وكما أظهر تقرير «الحرية في العالم» السنوي لمؤسسة «فريدوم هاوس»، كان عام 2022 هو العام السادس عشر على التوالي، لتراجع الديمقراطية العالمية، وإفريقيا ليست استثناء. وإذا استمر الحال على ما هو عليه، فإن عدم الاستقرار السياسي والفساد وانعدام المساءلة يمكن أن يقوض حتى السياسات المثالية.  فمن خلال العمل مع الشركاء واستخدام المنهجيات القائمة على الأدلة لرصد المشاريع، والمساعدة في التنفيذ، وتوجيه عملية صنع القرار، يمكن للبلدان الإفريقية سد الفجوة بين أهداف السياسة ونتائجها.
 أخيراً، يظل ضمان الانتقال الأخضر العادل والمستدام هو القضية الأكثر إلحاحاً التي تواجه إفريقيا، وهي القارة الأكثر عرضة للتأثر بالمناخ. وبينما ستحتاج البلدان الإفريقية إلى 2.8 تريليون دولار بحلول عام 2030 للوفاء بأهداف الانبعاثات التي حددتها اتفاقية باريس لعام 2015، فإن التدفقات السنوية من تمويل المناخ في القارة تصل حالياً إلى 30 مليار دولار فقط. ولكن يمكن للحكومات، بل ويجب عليها، البناء على الزخم الناتج عن مؤتمر الأمم المتحدة لتغيّر المناخ «كوب 27» في مصر، والذي نتج عنه قرار رائد لإنشاء صندوق «الخسائر والأضرار» لمساعدة البلدان النامية على التخفيف من أسوأ آثار تغير المناخ.
* زميل أول في برنامج الاقتصاد العالمي والتنمية ومبادرة النمو الإفريقي في معهد «بروكينغز»عن(بروجيكت سينديكيت)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4ctaavat

عن الكاتب

زميل أول في برنامج الاقتصاد العالمي والتنمية ومبادرة النمو الإفريقي في معهد «بروكينغز»عن(بروجيكت سينديكيت)

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"