العالم بين كتلتين

22:02 مساء
قراءة 4 دقائق

أنتوني رولي *

هناك قبول واسع النطاق الآن لمفهوم أن العالم مقدّر له أن ينقسم إلى كتلتين سياسيتين اقتصاديتين متنافستين، إحداهما بقيادة الولايات المتحدة والأخرى بإمرة الصين. ولكن ظهور مفاجآت وصدمات أمر وارد عندما يتعلق الأمر بمن يختار الانضمام إلى هذا التكتل أو ذاك، وأيهما سيكون الأكثر نجاحاً.

المسألة ليست بسيطة، ولا مجرد ارتباط بين الديمقراطيات والأنظمة التي تقودها الولايات المتحدة والصين؛ بل سيكون للتجارة والتمويل والعملات والتطورات الاقتصادية الأخرى دور مهم في التأثير في شكل العالم إلى حد أكبر مما نتصور في معظم الأحيان. وفي الواقع، أثار تصميم إدارة ترامب على جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى، وإدارة بايدن على المضيّ قدماً بشكل أفضل من خلال ضمان بقاء الولايات المتحدة أكبر قوة اقتصادية وتكنولوجية ومالية في العالم، ردود فعل تهدف إلى تغيير الوضع الراهن.

وبات من الآمن أن نفترض أن الولايات المتحدة وكندا واليابان والمملكة المتحدة، وبعض الدول الأوروبية القارية، ستكون في الكتلة A، في حين ستقود الصين وروسيا الكتلة B، ويبقى السؤال المفتوح: كم عدد اللاعبين الآخرين الذين سينضمون إلى المعسكر الثاني وسط تدهور الأوضاع الاقتصادية؟

الأمور تحدث بالفعل، إن لم يكن خلف الكواليس مباشرة، فمن المؤكد أنها بعيدة عن وهج العناوين اليومية حول حرب روسيا في أوكرانيا، وتوترات مضيق تايوان، وتقلبات «وول ستريت» التي تُظهر أن تشعب الاقتصاد العالمي هو عملية ديناميكية وليست مجرد رد فعل سلبي للأحداث.

عندما قالت مديرة صندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجيفا خلال المنتدى الاقتصادي العالمي الأخير في دافوس، «إننا نواجه شبح حرب باردة جديدة قد تؤدي إلى تجزئة العالم إلى تكتلات اقتصادية متنافسة»، كانت تلمّح ببساطة إلى العديد من التعقيدات والتفاصيل الدقيقة للموقف القادم. فعلى سبيل المثال، لا يضم المعسكر الذي تقوده الصين وروسيا، ما يسميه البعض «الهيمنة الآسيوية» فقط؛ بل يمكن أن يشمل أيضاً دولاً أخرى ضمن مجموعة «البريكس»، ومنظمة شنغهاي للتعاون، والاتحاد الاقتصادي الأوراسي، من بين آخرين.

وقد قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إن «بريكس» أثبتت فاعليتها بالفعل، وإن البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا تعمل على تنسيق سياساتها بشأن القضايا الدولية الرئيسية بشكل أوثق، وباتت تلعب دوراً أكثر فاعلية في تشكيل عالم متعدد الأقطاب.

واقترح بوتين أن على مجموعة «البريكس» تطوير نماذج حديثة للأنظمة المالية والتجارية في العالم، وهو اقتراح لا يبدو أن الولايات المتحدة تأخذه على محمل الجد، بالطريقة ذاتها انتهجها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عندما سحب بلاده من الشراكة عبر المحيط الهادئ.

لقد أضافت روسيا والصين كميات كبيرة من الذهب إلى احتياطات البنك المركزي العام الماضي، وبالتالي وفّرت دعماً جزئياً لعملاتها لجعلها أكثر مصداقية على الصعيد الدولي. وتشير مخططات الصين التجريبية مع اليوان الرقمي أيضاً، إلى ظهور كتلة عملات بخلاف الدولار الأمريكي مع مرور الوقت.

وهنا يمكن لروسيا والصين اختيار إعلان الحرب المالية على جميع القوى الغربية الكبرى في الكتلة A عن طريق بيع أصول بالدولار الأمريكي، واستثمار العائدات ليس فقط في الذهب، ولكن في المعادن الثمينة والسلع الصناعية الأخرى، ما يدفع الدولار والعملات الرئيسية الأخرى إلى مزيد من الانخفاض.

وبالفعل شرع المهيمنون الآسيويون في ذلك، وفقاً لشبكة «غولد موني» للمعادن الثمينة ومقرها لندن، التي قالت في العديد من المناسبات، إن العملات الورقية الرئيسية في العالم تنهار.

يفسّر كل هذا أن العقوبات الاقتصادية التي تفرضها الولايات المتحدة وحلفاؤها على الصين وروسيا، يمكن أن تأتي بنتائج عكسية من خلال تحفيز إجراءات تنافسية من جانب الدول الخاضعة للعقوبات، وتشجيع الآخرين على اتخاذ إجراءات وقائية.

إن بكين في وضع قوي نسبياً لتوطيد وتقوية موقفها وموقف الآخرين داخل مجموعة اقتصادية منافسة. وعلى الرغم من الانتكاسات مثل جائحة كورونا، ومشاكل القطاع العقاري المحلي، تبقى الصحة المالية والنقدية للصين في الأساس معافاة أكثر من الدول الغربية. فالصين لديها معدلات ادخار أعلى بكثير من معدلات القوى الاقتصادية الكبرى الأخرى، مع معدل تضخم أقل. وبالتالي لديها القدرة على الاستثمار بكثافة في اقتصادات دول الكتلة B الأخرى، بنفس الطريقة التي استثمرت بها بكين في مشاريع مبادرة الحزام والطريق في وقت كان فيه الآخرون في موقف المتفرج.

على النقيض من ذلك تعاني الولايات المتحدة مشاكل مستمرة في ما يتعلق بالعجز المالي وسقف الديون، بينما تكابد أوروبا ظروفها الاقتصادية الصعبة الخاصة. وبينما كانت واشنطن قادرة منذ فترة طويلة على استيراد رأس المال المطلوب للتمويل، فإن ذلك لن يستمر إلى أجل غير مسمى وسط ضعف الدولار الأمريكي.

لا يعني أي من هذا الآن، أن المجموعة التي تقودها الصين ستخرج منتصرة من تقسيم العالم إلى كتل متنافسة؛ بل سيكون الجميع أكثر فقراً بسبب تقلّص التجارة والاستثمار والتعاون الدولي بشكل عام. كما أن لعبة الغرب «الصفرية» ضد الشرق تعني الخسائر من جميع النواحي ولجميع الأطراف.

* صحفي مختص في الشؤون الاقتصادية والمالية الآسيوية (ساوث تشاينا مورنينغ بوست)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/ydh54yre

عن الكاتب

صحفي مختص في الشؤون الاقتصادية والمالية الآسيوية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"