لولا وذكريات الماضي

21:38 مساء
قراءة 4 دقائق

مارك أندرياس موندلر وكارلوس جويس*

حتى عندما يكونون في مأزق، نادراً ما يفقد البرازيليون روح الدعابة لديهم. لكن في السنوات الأخيرة، خفتت هذه الروح ليحل محلها انقسام سياسي في كل مكان، من وسائل التواصل الاجتماعي إلى موائد العشاء.

وعد الرئيس البرازيلي «القديم - الجديد» لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، «لولا»، الذي أدى اليمين مرة أخرى في يناير/كانون الثاني 2023، خلال حملته الانتخابية أن يعيد مستقبل البلاد مشرقاً كماضيها مرة أخرى، أكثر ازدهاراً وأقل استقطاباً.

لكن بعد أن درسنا أنا وكارلوس البرازيل في بحثنا الاقتصادي، وعشنا فيها لسنوات، نعتقد بأنه لن يكون من السهل على لولا الوفاء بوعوده الاقتصادية. لأنه، وعلى عكس فترتي حكمه الأولى والثانية، عندما ساعدت الأسواق المحلية والأجنبية الاقتصاد البرازيلي على الثبات، يواجه الرئيس المنتخب الآن رياحاً عكسية قوية من الداخل والخارج، وهذا يعني أن اتباع السياسات السليمة والممنهجة بات أكثر أهمية هذه المرة إذا ما أرادت الحكومة البرازيلية الإبحار بالسفينة لبر الأمان.

وخلال فترة الازدهار التي تزامنت إلى حد كبير مع رئاسة لولا السابقة، قفزت البرازيل من المرتبة ال 14 بين أكبر اقتصاد في العالم سنة 2003 إلى المرتبة ال 7 في عام 2010. وانخفضت معدلات الفقر في البلاد بشكل حاد من 26% إلى 12%. وكانت البلاد تُصدر سنوياً كميات كبيرة من البرتقال، والقهوة، والقمح، ومنتجات أساسية أخرى، حيث أدى النمو العالمي خلال تلك السنوات إلى زيادة الطلب على هذه السلع أكثر. كما غذت الصادرات الصناعية البرازيلية في العقد الأول من هذا القرن البيانات الإيجابية للبلاد لأول مرة، بقيادة منتجات مثل الصلب والسيارات وقطع الغيار والطائرات التي تصنعها شركة «Embraer».

في تلك الحقبة، أدار لولا ميزانية حكومية متوازنة، وحافظ على التضخم منخفضاً وأبقى سعر صرف الريال البرازيلي مع العملات الأخرى تحت السيطرة. وعزز حقوق المواطنة للفقراء من خلال طرح برنامج «بولسا فاميليا»، أو (علاوة الأسرة)، وهو برنامج تحويل نقدي مشروط للحد من الفقر وعدم المساواة.

لكن لسوء الحظ، لم تدم تلك الأوقات الجيدة طويلاً، فخلال العقد الثاني، انخفضت أسعار العديد من السلع التي تصدرها البرازيل. وشهدت البلاد اثنتين من أسوأ فترات الركود في تاريخها، الأولى، فترة انكماش اقتصادي استمرت من أواخر عام 2014 إلى منتصف عام 2016، فقد خلالها ما يقرب من 5 ملايين برازيلي وظائفهم. ثم بعد التعافي البطيء، ضربت جائحة كورونا الاقتصاد بشدة، وأصبح نحو 10 ملايين آخرين عاطلين عن العمل في فترة انكماش كبيرة أخرى.

وساهم مزيج من سوء الإدارة الاقتصادية والفساد المستشري والاضطراب السياسي والوباء العالمي في انزلاق البرازيل أكثر إلى الوراء بعد عقد أول مزدهر، وطالت أصابع الاتهام لولا وحلفاءه واحداً تلو الآخر لضلوعهم بتهم فساد وغسل أموال، ليدخل لولا بعدها السجن ويخرج بعد نحو عام ونصف العام، حيث أطلقت المحكمة العليا البرازيلية سراحه.

في عام 2019، تولى اليميني والقائد العسكري السابق جايير بولسونارو مقاليد الحكم في البلاد، من خلال ركوب موجة المشاعر المناهضة آنذاك لحزب العمال. مانحاً الأولوية للمكاسب السياسية قصيرة الأجل على حساب التكيف بعيد المدى، وغالباً ما اصطدمت هذه المكاسب مع مساعديه الاقتصاديين وقواعد المراوغة التي تهدف إلى كبح الإنفاق الحكومي.

ليتراجع الاقتصاد البرازيلي، بحلول عام 2020، إلى المرتبة الثانية عشرة عالمياً من حيث الناتج المحلي الإجمالي، وتتدهور الظروف المعيشية. وبعد عام، ناهزت معدلات الفقر أعلى مستوى خلال عقد، وذلك وفقاً لوكالة الإحصاء البرازيلية، ولتقديرات الباحثين في مؤسسة IPEA الفكرية.

من المحتمل أن يواجه لولا تحديات كبيرة على سدة الرئاسة، بدءاً من توقعات اقتصادية قاتمة، وانتهاء بأزمة سياسية حالكة أعقبت أعمال الشغب التي افتعلها أنصار المعارضة في العاصمة البرازيلية مؤخراً.

وبعد أن دفع التضخم البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم إلى زيادة أسعار الفائدة، يتوقع صندوق النقد الدولي تباطؤاً عالمياً في عام 2023. وبالتالي، فحتى لو كان العالم لا يزال يرغب بوجود القهوة البرازيلية وعصير البرتقال والقمح أو الذرة على موائد الطعام، فإننا نشك في أن الطلب الأجنبي على صادرات البرازيل سوف يرتد إلى المستويات التي شهدناها في سنوات الازدهار الماضية. خصوصاً بعد انحدار الأسعار العالمية للعديد من السلع الأساسية التي تصدرها البرازيل على مدار الخمسة عشر عاماً الماضية. فضلاً عن حرب روسيا في أوكرانيا والاضطرابات العالمية التي أعقبت ذلك والتي أدت إلى جموح أسعار المواد الغذائية أكثر.

أيضاً، وعلى عكس الوقت الذي تولى فيه لولا منصبه لأول مرة بعد فترة من الاستقرار الاقتصادي، يجب عليه اليوم إعادة بناء جزء كبير من الإطار المالي بمصداقية، وأحد الأمثلة على ذلك هو التزام الحكومة الفيدرالية بتغطية المدفوعات السابقة بعد تأخير بولسونارو صرف 110 مليار ريال برازيلي (21.6 مليار دولار) في عام 2022. وهذا يعني أن الحكومة الجديدة يجب أن تدفع فواتير هذا العام وبعض فواتير العام الماضي في وقت واحد.

نتوقع أن تكون الانقسامات السياسية، بما في ذلك بعض الانقسامات داخل إدارة لولا، عقبة أخرى في وجهه. ومن المرجح أن تختلف رؤى الفصائل المتعددة في فريقه الاقتصادي في المستقبل المنظور لأنها تفضل سياسات مختلفة تماماً.

في النهاية، من المؤكد أن أي حكومة جديدة تستحق الوقت لتثبت نفسها، خاصة في ظل الظروف الصعبة. لكن الصبر في البرازيل أكثر ندرة من الفكاهة ولطالما كان دائماً كذلك.

* أستاذا الاقتصاد بجامعة كاليفورنيا، سان دييغو(ذا كونفيرزيشن)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4rt6s3ku

عن الكاتب

أستاذا الاقتصاد بجامعة كاليفورنيا

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"