«حوار» على مقاس الغرب

00:28 صباحا
قراءة دقيقتين

يونس السيد

مرّة أخرى ينفضّ مؤتمر الأمن في ميونيخ، في نسخته التاسعة والخمسين، عن حوار هيمنت عليه الأزمة الأوكرانية، ليبدو كأنه أشبه بحوار الطرشان، بسبب ما حمله من مضامين متناقضة، وما أسفر عنه من ارتفاع جدار انعدام الثقة مع روسيا، التي وإن كانت مغيبة عمداً عن هذا المؤتمر، إلا أنها كانت حاضرة في كل النقاشات.

عشية إنهاء الحرب الأوكرانية عامها الأول، كان جوهر الحوار ينصب على تأكيد وحدة الموقف الغربي تجاه أوكرانيا، والتزام الغرب بدعمها، عسكرياً ولوجستياً، لتمكينها من مواصلة المواجهة مع روسيا، والانتصار عليها في نهاية المطاف. وهي رؤية مضللة إلى حد كبير، بسبب غياب الثقة، ليس مع روسيا فقط، وإنما داخل التحالف الغربي نفسه.

والواقع أننا لم نشهد أي تغيير جوهري في الموقف الروسي منذ بداية الأزمة، خصوصاً إزاء مطالبه المتعلقة بوقف توسع حلف «الناتو» في فضائه الجيوسياسي الذي كان قائماً في عهد الاتحاد السوفييتي، وإعادة صياغة الأمن الأوروبي على أسس جديدة تأخذ بمصالح كل الأطراف، وصولاً إلى إقامة نظام عالمي متعدد الأقطاب أكثر عدلاً وشمولية. وفي المقابل، يتخبط التحالف الغربي الذي يرفض الاعتراف بالمصالح الروسية ويسعى لتكريس هيمنته على العالم، ما يعني أن لغة الحوار مع موسكو تبدو معدومة. اللافت هو انفضاح التناقضات البينية داخل التحالف الغربي رغم التظاهر بوحدة الموقف، فمن جهة، تريد أوروبا الاستمرار في دعم أوكرانيا ضمن ضوابط معينة لمنع امتداد الحرب إلى القارة بأكملها، بينما تحث واشنطن كييف، على مواصلة المواجهة وتسريع الهجوم المعاكس في جنوب وشرق البلاد لقطع الطريق على الهجوم الروسي المنتظر.

لكن أوروبا تدرك، في النهاية، أن موازين القوى تميل لمصلحة روسيا على حساب أوروبا مجتمعة. وبالتالي تبدو رغبة الرئيس الفرنسي ماكرون في الانتصار على روسيا من دون إلحاق هزيمة ساحقة بها غير واقعية.. بينما يحاول المستشار الألماني شولتس، المواءمة بين دعم أوكرانيا شريطة عدم الصدام المباشر مع روسيا، وعدم التورط في الحرب، خصوصاً أنه يرى التردد الأمريكي في تقديم الدعم والإحجام عن كل ما من شأنه أن يؤدي إلى صراع مباشر موسكو.

ومن الواضح أن ألمانيا، بصراحة، لا تثق بقدرة «الناتو» على حمايتها، ومن هذا المنطلق فهي تدعم خيار إنشاء قوة دفاع أوروبية مشتركة. ولا أحد يدري على ماذا اعتمد رئيس مؤتمر الأمن في ميونيخ، كريستوف هويسغن، في قوله إن «الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لا يزال يعتقد أنه سيكسب الحرب»، كأنه واثق من هزيمة روسيا. وفي المحصلة فإن كل هذه التناقضات تؤشر إلى وجود فوضى غربية إزاء التعامل مع أزمة بهذا الحجم. وحتى دعوة الصين إلى المؤتمر، بهدف إبعادها عن روسيا، لم تنجح، بعد اندلاع الخلافات مجدداً بين واشنطن وبكين، والتحذيرات المتبادلة بينهما، في وقت كانت بكين تعمل على طرح مبادرة لتسوية الأزمة الأوكرانية، ما جعل من ذلك المؤتمر مجرد ناد لحوار طرشان بامتياز.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3zsz26mh

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"