احتفالية ذكرى الحرب

01:16 صباحا
قراءة 3 دقائق

أحمد مصطفى

مع حلول الذكرى الأولى لبدء الحرب في أوكرانيا، نشهد تغطية إعلامية مكثفة وتحركات سياسية ودبلوماسية في تلك المناسبة. صحيح أن الحرب في أوكرانيا حدث مهم، لكن العالم لم يعدم الأحداث المهمة الأخرى التي تستحق الاهتمام.

مفهوم طبعاً أن يكون اهتمام الروس والأمريكيين والغرب بالحرب في ذكراها الأولى كبيراً. فهناك حملة دعائية سياسية هائلة رافقت الحرب منذ دخول القوات الروسية أوكرانيا. ومن ناحيتها تريد موسكو تأكيد مبررات الحرب من استفزاز الغرب على حدودها وتهديد أمنها القومي. كذلك محاولة كسر الحصار الإعلامي المفروض غربياً عليها بإيصال رسالتها، وذكرى الحرب مناسبة منطقية.

الأمر نفسه بالنسبة للسياسيين في الغرب الذين يريدون تأكيد موقف التصدي لروسيا، عبر إظهار الدعم لأوكرانيا وتشديد الحصار الاقتصادي غير المسبوق على موسكو. وفي ذلك أيضاً محاولة لامتصاص أي تذمر قد يظهر بين صفوف شعوبها من طول أمد الحرب وزيادة عبء الكلفة على الأوضاع المعيشية في الدول الغربية، خاصة في أوروبا.

أما بالنسبة لوسائل الإعلام، فبشكل عام يعد أمراً منطقياً أن تنتهز فرصة ذكرى الحرب لتغطية أرشيفية مكثفة لعدة أيام توفر عليها تغطيات أخرى أكثر كلفة ربما. ثم إن هناك أيضاً هدفاً تعبوياً للإعلام الغربي لاستدرار تعاطف الجماهير مع أوكرانيا وحشد مشاعر العداء لروسيا مع مبالغة في وصف المآسي الإنسانية والتهويل بخطر انفجار محطات نووية.

يجد الإعلام في احتفالية ذكرى الحرب فرصة لإعادة شحن بطاريات الجماهير بشكل دعائي إلى حد كبير. ولعلنا نذكر الطريقة التي لا تخلو من العنصرية في تغطية مراسلي الشبكات الغربية للحرب في بدايتها ومقارنتهم الأوكرانيين بطريقة تمييزية عن اللاجئين من سوريا أو العراق أو أفغانستان.

لكن ما يثير الاستغراب هو أن نجد منافذ الإعلام العربية تفعل الشيء نفسه، رغم مواقف الدول العربية المعتدلة التي قاومت الانحياز لأي من أطراف الصراع في أوكرانيا. صحيح أنه أمر منطقي ألا تغفل أي وسيلة إعلامية مناسبة كهذه لأهمية ما حدث في أوكرانيا وسعة نطاق تأثيره في العالم كله. وبالتالي احتفالية الذكرى منطقية ومفهومة أيضاً. لكن ما يصعب هضمه أن يشاهد المرء على الشاشات العربية مرآة طبق الأصل للإعلام الغربي التعبوي أو حتى الروسي – وإن كان الأخير نادراً إلى حد ما.

لا يمكن التعلل بأن المادة الإعلامية المتاحة غالباً مصدرها غربي، بالإنجليزية أو الفرنسية أو الألمانية، وأن وسائل الإعلام العربية إنما تترجم وتتبع الأجندة الإخبارية لمصادر الإعلام العالمية الرئيسية، فإذا كان الإعلام الغربي يعرض صور أوكرانيات «شعرهن أشقر وعيونهن زرق» كما يصفونهم لتمييزهم عن الملونين العرب والشرق أوسطيين، فما الهدف لدى الشبكات العربية لعرض المحتوى نفسه؟ هل نحشد الجماهير العربية لدعم أمريكا وحلف الناتو كما فعلنا في تسعينات القرن الماضي بتغطية انهيار يوغوسلافيا السابقة؟ أم كما فعلنا في ثمانينات القرن الماضي تجاه أفعانستان، وما ظهر بعدها من تنظيمات إرهابية.

لدى الإعلام العربي محاور لا تجعله يهمل حدثاً مهماً مثل ذكرى الحرب مثل، كيف أثرت الحرب في المنطقة من حيث أمنها الغذائي واستيراد الحبوب والزيوت، وماذا فعلت دول المنطقة؟ ما تأثير أزمة الطاقة، من نفط وغاز، وكيف أضرت أو أفادت دول المنطقة. ولا تقتصر المحاور على الاقتصاد، بل سياسياً أيضاً بإلقاء الضوء مجدداً على الموقف المتميز لدول المنطقة منذ بداية الحرب سواء من حيث عدم انقيادها للضغط الأمريكي والغربي، وفي الوقت نفسه الوقوف على مسافة من دعم وتأييد العمل العسكري الروسي. وذلك تطور في السياسة الاقليمية يعكف الأمريكيون على دراسته.

يمكن فهم أن القائمين على بعض الإعلام العربي لم يقصدوا ترديد رسائل توجيه معنوي للشعوب الأوروبية والغربية عموماً نحو شعوب دولهم العربية، أو أنهم تعمدوا اتباع سياسة إعلامية لا تتفق تماماً مع توجه دولهم في السياسة الدولية. إنما هو خطأ دائم، يبدو أكثر بروزاً في التغطيات الاحتفالية كالتي نشهدها الآن. وأتصور أنه آن الأوان كي تكون لنا أجندتنا الصحفية والإعلامية التي نضعها بأنفسنا ولا نتلقاها يومياً من وسائل الإعلام «العالمية الكبرى».

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/msr9u2ts

عن الكاتب

يشتغل في الإعلام منذ ثلاثة عقود، وعمل في الصحافة المطبوعة والإذاعة والتلفزيون والصحافة الرقمية في عدد من المؤسسات الإعلامية منها البي بي سي وتلفزيون دبي وسكاي نيوز وصحيفة الخيلج. وساهم بانتظام بمقالات وتحليلات للعديد من المنشورات باللغتين العربية والإنجليزية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"