العراق في الوثائق البريطانية

01:14 صباحا
قراءة 3 دقائق

عبد الحسين شعبان

كشفت وثائق مجلس الوزراء البريطاني التي أُفرج عنها في شباط/فبراير 2023، أن رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، ورئيس الولايات المتحدة الأسبق جورج دبليو بوش، كانا متأكدين من عدم صحة مزاعم امتلاك العراق أسلحة دمار شامل أو أي قدرة في الحصول عليها أو على صواريخ بعيدة المدى، وذلك قبل غزوه بعامين على الأقل. والوثيقة خبر، كما يُقال في البحث الأكاديمي؛ لأنها تغني عن كثير من الآراء والتقديرات، فما بالك حين تصدر من أعلى المستويات، وتُنشر لأول مرة بصورة رسمية.

جدير بالذكر أن محاولات العراق امتلاك أسلحة متطورة توقفت بعد حرب قوات التحالف الدولي ضده (17 من كانون الثاني/يناير 1991) والتي سميت حينها «عاصفة الصحراء»، إثر غزو قواته الكويت في 2 من آب/أغسطس 1990، وفرض عقوبات دولية عليه. وكان مسلسل العقوبات قد بدأ ضمن الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة بعد رفضه الانسحاب من الكويت بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 661 في 6 من آب/أغسطس 1990 وتُوج بالقرار رقم 687 في 3 من نيسان/أبريل 1991، الذي تضمن شروطاً والتزامات ثقيلة تتعلق بمستقبله كدولة وشعب؛ الأمر الذي ترك تأثيره السلبي الخطر في تنميته وتطوره، لا سيما باستمرار الحصار الدولي طوال ما يزيد على 12 عاماً، تمهيداً لغزوه واحتلاله عام 2003.

ولم تعبأ الولايات المتحدة وبريطانيا ومعسكر الحلفاء بغزو العراق باحتجاج عشرات العواصم ومئات المدن الأوروبية، وتحذيرات منظمات دولية حقوقية وإنسانية من الحرب ومخاطرها وامتداداتها، فضلاً عن افتقادها المسوّغ القانوني الدولي ومخالفتها ميثاق الأمم المتحدة، وما يسمى الشرعية الدولية. وقد أدت الحرب التي شنتها واشنطن ولندن ليلة 19 20 من آذار/مارس 2003، إلى تدمير بنيته التحتية وهياكله الارتكازية ومرافقه الحيوية، وإعادته حسب جيمس بيكر، إلى «العصر الحجري»، مثلما سببت إزهاق أرواح مئات الآلاف من البشر، فضلًا عن نزوح ولجوء ملايين العراقيين بسبب الانفجار الطائفي الذي غذّته إدارة بول بريمر الحاكم المدني الأمريكي للعراق، والذي أسس «مجلس الحكم الانتقالي» على أساس التقسيم الطائفي الاثني، وفقاً لنظام محاصصة قائم على «الزبائنية» السياسية والحصول على المغانم، وما يزال هذا النظام مستمراً.

واعترفت إدارة الرئيس بوش بعد عامين من احتلالها العراق وتمشيطه طولاً وعرضاً، أنه لا دليل على وجود أسلحة دمار شامل، بما فيها غاز الأنثراكس الذي أُثيرت حوله ضجة صاخبة، وانبرت بعض الأقلام «العراقية» الممالئة للغرب، لتهويل الفكرة وخلق الرعب بشأنها؛ بل أطلقت العنان لمخيلاتها المريضة لتزعم أن العراق بإمكانه خلال 45 دقيقة، تدمير مدن أو حتى دول بكاملها، إلى غير ذلك مما كانت تروّج له أساليب الدعاية السوداء والحرب النفسية، ومفردات القوة الناعمة التي تغلغلت للتأثير في العقول وفي قرارات بعض الدول والحكومات بالانسجام مع مصالحها.

وكانت لجنة تشيلكوت (تموز/يوليو 2016) تناولت في تقرير مفصل، الدور البريطاني، متحدثة عن المعلومات الاستخباراتية «المفبركة» و«الكاذبة»، إضافة إلى إدانة الأساس القانوني الذي استندت إليه في شن الحرب، لا سيما برفض الأمم المتحدة تفويض واشنطن وحلفائها بالقرار 1441 الصادر في 8 من تشرين الثاني/نوفمبر 2002.

وبررت إدارة بلير أنه لولا «سياسة الاحتواء التي اتبعتها مع واشنطن» لكان من المرجح «امتلاك العراق صاروخاً بعيد المدى، قادراً على الوصول إلى بريطانيا وأوروبا، وكذلك رؤوساً كيماوية وبيولوجية ونووية»، وهو ما حاولت إقناع باريس به للانضمام إلى الحملة ضد العراق، واقترحت مثل هذا الأمر على عدد من الدول العربية لمساندتها لتشكيل «إجماع دولي». وكان كولن باول وزير الخارجية الأمريكي قد روّج مثل هذه المزاعم أيضاً أمام مجلس الأمن الدولي في 5 من شباط/فبراير 2003، وعرض أنبوباً اعتبره دليلاً لا يمكن دحضه لإقناع المجتمع الدولي على امتلاك العراق أسلحة بيولوجية.

اليوم وبعد 20 عاماً تكشف لنا وثائق مجلس الوزراء البريطاني التي نشرتها اﻟ BBC عن فرية تهديد العراق للسلم في الشرق الأوسط والعالم، خصوصاً أن المنطقة أصبحت بعد الاحتلال أكثر اضطراباً وعنفاً وإرهاباً، وأن الحصار الدولي كان تشريعاً للقسوة عن سابق إصرار، وهو جريمة دولية ما تزال تأثيراتها ماثلة للعيان، باستمرار المأساة العراقية وامتداداتها عربياً؛ الأمر الذي يضع مسؤوليات على مرتكبيها ليس للاعتذار فحسب؛ بل للتعويض أيضاً عما لحق العراق من أضرار مادية ومعنوية طالت جيلين عراقيين.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2fn6x8en

عن الكاتب

أكاديمي ومفكر وكاتب عراقي، وهو نائب رئيس جامعة اللاّعنف وحقوق الإنسان (أونور) في بيروت. له مساهمات متميّزة في إطار التجديد والتنوير والحداثة والثقافة والنقد. يهتم بقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان والمجتمع المدني والأديان، والدساتير والقوانين الدولية والنزاعات والحروب. صاحب نحو 70 كتاباً ومؤلفاً.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"