فرض عين على كل واحد منا

00:26 صباحا
قراءة 3 دقائق

سليمان جودة

كثيراً ما يتطلع القارئ في منطقتنا إلى الكتابة عن الحرب الروسية الأوكرانية، وكأنها كتابة في شأن خارجي بعيد عنه هنا، وليست في شأن داخلي يخصه ويتصل بقضاياه.

ولكن ما نشرته صحيفة «بيلد» الألمانية الشهيرة قبل أيام، ينفي هذا الظن ويشير إلى أن هذه حرب تمس كل إنسان حيث يعيش على الأرض. وما نشرته الصحيفة كان يتعرض لواردات المانيا من الفحم خلال السنة الماضية، وعلى وجه الدقة خلال النصف الأخير من هذه السنة.

ففي أغسطس (آب) 2022، كانت روسيا قد أوقفت صادراتها من الفحم إلى دول الاتحاد الأوروبي، وكان السبب بالطبع هو هذه الحرب الدائرة حتى اليوم، والتي دخلت عامها الثاني في الرابع والعشرين من الشهر الماضي، وفيها تحظى أوكرانيا بدعم أمريكي أوروبي كامل ومطلق.

ولأن واردات ألمانيا من الفحم كانت تأتي من روسيا، فلقد كان لا بد لها من البحث عن مصدر آخر للواردات، وقد عثرت على هذا المصدر في الولايات المتحدة، التي احتلت المرتبة الثانية في توريد الفحم للألمان، بما يعني أنها الطرف المستفيد من توقف ضخ الفحم الروسي لألمانيا.. ولكن هذه على كل حال قصة أخرى من قصص هذه الحرب التي لا تريد أن تضع أوزارها.

ولأن موسكو أوقفت إمدادات الغاز أيضاً إلى الاتحاد الأوروبي، ولأن ألمانيا كانت أكثر دول الاتحاد اعتماداً على غاز روسيا، ولأنه كان يمثل أربعين في المئة من احتياجاتها، فلقد كان عليها أن تعوض نقص الغاز بالمزيد من الاعتماد على الفحم في توليد الطاقة.

وهذا ما ترصده صحيفة «بيلد» وتقول إن استهلاك البلاد من الفحم قد زاد منذ توقف الفحم الروسي، وإن الزيادة تصل إلى 8 ٪‏، إذا ما قورن الاستهلاك بالفترة نفسها من السنة السابقة.

فما المعنى في هذا الاستهلاك المتزايد من الفحم، وفي هذه النسبة المشار إليها من الزيادة؟ المعنى أن الطاقة الملوثة للبيئة في ألمانيا قد زادت، وأن العالم الذي يتحدث عن تغيرات في المناخ بسبب ملوثات البيئة، عاجز عن مساعدة نفسه في هذا الأمر، ولو لم يكن عاجزاً لكان قد تفاعل بشكل أكثر إيجابية مع مبادرات وقف الحرب التي جرى طرحها من جانب أكثر من طرف.

لقد جرى طرح مبادرة من جانب البابا فرنسيس الأول، بابا الڤاتيكان، ثم جرى طرح مبادرة أخرى من جانب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نفسه، ثم جاءت هذه المبادرة الأخيرة من جانب الرئيس الصيني شي جين بينج. وفي المرات الثلاث كان سوء الحظ يحالف كل مبادرة، فكانت تحظى بالقبول لدى طرف من طرفي الحرب، ولا تحظى بالقبول لدى الطرف الآخر.

ولكن ما يهمنا هنا هو أن التلوث البيئي الناتج عن استخدام الفحم في ألمانيا، لن يتوقف عند حدود الأراضي الألمانية، ولكنه سينتشر في أنحاء الأرض، وسيكون لنا نصيب فيه بالطبع، وسيحصل كل واحد منا على حظه من هذا التلوث وهو يتنفس، ثم وهو يعاني تغيرات المناخ على مدى السنة.

فما المعنى مرةً ثانية في هذا كله؟ المعنى أن هذه الحرب التي تدور هناك على الحدود الروسية الأوكرانية، إنما تدور تحت أقدامنا في حقيقة الأمر، وفوق سمائنا وفي فضائنا، ولا أدل على ذلك إلا هذا التزايد الألماني في استهلاك الفحم.

والمفارقة أن ألمانيا كانت تخطط منذ فترة لوقف استخدام الفحم تماماً، وكانت جماعات الخضر داخلها تنشط في هذا الاتجاه، وكان طموحها يصل إلى حد وقف استخدام المفاعلات النووية في توليد الطاقة، وكان الهدف هو العمل على توفير بيئة عالمية نظيفة من الملوثات.

وإذا بالحرب تعيدنا جميعاً إلى المربع واحد، ولذلك، فالدعوة إلى وقفها فرض عين على كل واحد منا في مكانه.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mr2z23yr

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"