ما يحتاجه الاقتصاد الأوروبي

22:03 مساء
قراءة 4 دقائق

فيرنر هوير*

في مواجهة فجوات الاستثمار المتزايدة، يعتقد معظم صناع السياسة الأوروبيين أن الوقت قد حان لحزمة تحفيز أخرى واسعة النطاق على الرغم من التضخم المرتفع ونمو الدين العام، لكني أخشى أنهم مخطئون.

فمن شأن التحفيز ببساطة أن يجبر البنك المركزي الأوروبي على زيادة أسعار الفائدة بشكل أكبر وأسرع. وما نحتاجه بدلاً من ذلك هو الدعم الموجه، وتعبئة الموارد اللازمة للقطاع الخاص في مشاريع التنمية المستدامة، وعلى رأسها الاستثمار في القطاعات الخضراء الذي من شأنه تعزيز المرونة والقدرة التنافسية للاتحاد الأوروبي على نطاق واسع.

كان هناك الكثير من الخلافات في أوروبا حول التهديد الذي يمثله قانون خفض التضخم الأمريكي. ومع ذلك، وعلى الرغم من كل المخاوف التي أثارها، فإن القانون في النهاية عبارة عن خطوة في الاتجاه الصحيح، ويوفر دعماً هائلاً للقطاعات الخضراء، حيث هناك حاجة ماسة لمزيد من الاستثمارات، كما يُظهر أن الولايات المتحدة وأوروبا متوائمتان أخيراً في السعي لتحقيق تحول اقتصادي مستدام. وبالتالي على الأوروبيين أن يرحبوا برغبة الولايات المتحدة في توسيع قدرتها في مجال الطاقة المتجددة ووضع أموالها في المكان الصحيح.

إن هدف القانون الواضح المتمثل في تأسيس بنية تحتية حديثة منخفضة الكربون لا يمثل في حد ذاته مشكلة للاقتصاد الأوروبي. بل على العكس، في قطاعات مثل طاقة الرياح، حيث أوروبا رائدة في تقنياتها، يعتبر ارتفاع الطلب على الاستثمار والتأثير الإيجابي على المناخ تطوراً إيجابياً. ناهيك عن فرص العمل الجديدة للشركات الأوروبية التي ستوفرها المشاريع الأمريكية.

ومن المؤكد أن بعض مواد قانون خفض التضخم الأمريكي الجديد تطرح تحديات جوهرية. صحيح أن القانون يقدم دعماً كبيراً لتقنيات الألواح الشمسية وطاقة الرياح وتخزين الطاقة ومعدات الهيدروجين النظيف، لكن معظم هذه الفوائد تقتصر على المنتجين الذين يرفعون الصوت عالياً «صُنع في أمريكا»، ويستثنون بالطبع المصنعين الأوروبيين، الذين لا يتلقون نفس الإعانات من الاتحاد الأوروبي. وبالتالي قد يزداد خطر انتقال بعض مصانع المعدات وإنتاج الهيدروجين الأوروبية إلى الولايات المتحدة، ما يضاعف محنة قطاع الابتكار في الاتحاد الأوروبي الذي يعاني أساساً من نقص التمويل. لذا، فإن بعض أحكام القانون الجديد يمكن أن تكبح جماح سلسلة التوريد الناشئة للتكنولوجيا الخضراء، ما يعود بالفائدة لأمريكا على حساب أوروبا.

في المقابل، ومن خلال إبقاء قنوات الاتصال مفتوحة مع شركائنا الأمريكيين، واستهداف استثماراتنا الخاصة للقطاعات الصحيحة، يمكن لأوروبا تحييد الأجزاء الإشكالية من قانون خفض التضخم والاستفادة من بنوده الجيدة. فحوارات كهذه بين جانبي الأطلسي تعتبر أمراً بالغ الأهمية، ونحن بحاجة حقيقية إلى إقناع الولايات المتحدة بإعادة النظر في بعض أحكام قانونها الجديد، خاصة تلك التي تتعارض مع المبادئ الراسخة للمنافسة المفتوحة والنزيهة.

ومع ذلك، من غير المقبول أن نقدم أنفسنا كضحايا لمجرد مواصلة المحادثات مع أمريكا، وعلى الأوروبيين قبول حقيقة أن العديد من فجوات الاستثمار الحالية تقع خارج نطاق قانون خفض التضخم. وهو ما أكده التقرير الرئيسي السنوي لبنك الاستثمار الأوروبي، بأنه على مدى السنوات العشر الماضية، استثمرت أوروبا 2% أقل سنوياً في تحسينات الإنتاجية مقارنة بمنافسيها. لذلك، يجب أن يُنظر إلى القانون على أنه تنبيه شديد اللهجة لمعالجة النقص الحاصل في الاستثمار. فنحن بحاجة ماسة إلى توجيه المزيد من الأموال نحو الطاقة النظيفة الأوروبية، وتصنيع التكنولوجيا النظيفة والرقمنة، وكلها أساسات ضرورية للتحول الأخضر والقدرة التنافسية في المستقبل.

ربما تبدو مهمة عصيبة، ولكن في الحقيقة نحن نمتلك بالفعل معظم الأدوات التي نحتاجها للنجاح ومنها مجموعة الحلول الواسعة التي يقدمها بنك الاستثمار الأوروبي لتخفيف المخاطر والتمويل طويل الأجل، والتي يمكن أن تجعل الابتكارات الواعدة أكثر قبولاً من وجهة نظر المستثمرين في القطاع الخاص.

لقد سمحت سياسة تجميع رأس المال المتبعة في بنك الاستثمار الأوروبي باختراقات كبيرة في علوم الحياة، وقطاع الطاقة، والحوسبة الكمومية، وتقنيات الأقمار الصناعية. ويمكننا بهذا الصدد إرسال إشارة قوية إلى السوق مفادها أن مؤسسات وحكومات الاتحاد الأوروبي على استعداد لتعزيز التقنيات الحديثة من خلال الاستثمار المبكر والفعال. ونحن على استعداد أيضاً للعمل مع المفوضية الأوروبية والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لإنشاء صندوق جديد لعموم الاتحاد يدعم المشاريع الكبيرة ذات الأهمية الاستراتيجية للاقتصاد الصافي صفر.

قد يتساءل البعض، لماذا نركز على المشاريع الكبيرة؟ لكن كلمة «مشاريع» نعني بها أيضاً الشركات الناشئة التي يطلقها رواد الأعمال من مرآبهم. ونحن نشهد في الواقع المزيد والمزيد من هذه المشاريع الضخمة الناشئة في طليعة الابتكار. منها على سبيل المثال منتج بطاريات الليثيوم أيون «Northvolt»، إنها شركة ناشئة بكل تأكيد، لكنها تحتاج إلى ألف «مرآب» لاستيعاب مصنعها العملاق الجديد شمال السويد.

إن مشاريع بهذا الحجم هي بالضبط ما تحتاجه أوروبا، لكنها تتطلب استثمارات بمليارات اليوروهات، وعادة ما تكون في شكل تمويل مسبق عن طريق بيع الأسهم. وبالتالي، يمكن لصندوق الأسهم في الاتحاد الأوروبي أن يضيف قيمة كبيرة من خلال مساعدة المزيد من الشركات المتطورة على البدء. وعلى الرغم من أن الاستثمارات التي أتحدث عنها ضخمة، إلا أنها ستكون مستهدفة وبدقة.

ستكون استجابة أوروبية جوهرية لقانون خفض التضخم الأمريكي وللتحديات الجيوسياسية الأوسع التي تواجهها أوروبا في آن واحد.

*رئيس بنك الاستثمار الأوروبي (بروجيكت سينديكت)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/m6mb7ptp

عن الكاتب

رئيس بنك الاستثمار الأوروبي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"

مقالات أخرى للكاتب