عادي

50 % إنفاق المستهلكين على المشتريات غير الضرورية

فخ العروض الترويجية يعزز من التسوق

01:54 صباحا
الصورة
الصورة

تحقيق: يمامة بدوان

أكد عدد من خبراء الاقتصاد أن المبالغة في التسوّق ما هي إلا «مسكّنات» مؤقتة للحال النفسية، لكنها ترهق جيوب المستهلكين، خاصة أن بعضهم يجدها مبرراً للتنفيس عن الغضب أو للترفيه عن النفس، على عكس المتسوّق الغربي الذي يختار التوقيت المناسب لشراء احتياجاته فقط.

وقالوا ل«الخليج» إن إجمالي إنفاق المستهلكين على مشتريات غير ضرورية تصل إلى 50%، ما يدفعهم إلى القروض الشخصية أو الاستدانة من الآخرين، كما أن بعضهم يشتري ما لا يلزم، نتيجة العادات الاستهلاكية التي ترتبط بالثقافة والموروث الفكري، حيث يظهر ذلك جلياً في سلوك المستهلكين عبر الكرم الذي يجعلهم ينفقون أكثر من الدخل في بعض الأحيان.

وأشار آخرون إلى أن هناك حلولاً لمواجهة المبالغة في التسوّق، تتمثل في بناء الثقافة الاستهلاكية من مرحلة الطفولة، وتبدأ من البيت، وهو ما يحدّ من السلوكات المتوارثة، مع أهمية نشر الوعي المجتمعي عبر المؤسسات التعليمية.

في المقابل أكد مستهلكون أن الحملات التخفيضية فخّ تقع فيه الأغلبية، لشراء منتجات للتفاخر بها، ومن دون الحاجة إليها، كما أن بعضهم يملأون عربات التسوّق بأصناف كثيرة لأجل التباهي بها أمام الآخرين، وهو ما يسهم في استنزاف ميزانية الأسرة، إلا أن هناك من يرى أن الشراء اليومي للاحتياجات فقط، وبكميات قليلة، سلوك فعال للحد من الهدر في السلع، خاصة تلك التي لا تحتمل التخزين طويلاً.

اختيار التوقيت

وأكد الدكتور نجيب الشامسي، خبير اقتصادي، أن هناك اختلافاً في الحال النفسية التي تنتاب المستهلك العربي، مقارنة بالغربي عند التسوّق. فالمرأة مثلاً تذهب إلى السوق للتنفيس عن غضبها (فشّة خلق) بشراء ما لا تحتاج إليه، سواء مواد غذائية أو ملابس أو حقائب، وهو أشبه بمسكّنات الحالة النفسية التي تنتابها. كما أن النزعة الاستهلاكية في المجتمع العربي تتصف بالشره الشرائي، انطلاقاً من مبدأ «اصرف ما في الجيب يأتك ما في الغيب»، على عكس الغربي الذي يختار الوقت المناسب للتسوّق، خاصة عندما يشعر بالشبع، وهو أمر مهم، حيث إن ذهاب الفرد للسوق مع شعوره بالجوع، يدفعه لشراء كل ما تقع عليه عيناه، سواء كان من متطلباته أم لا.

وتابع أن المجتمع العربي يعتمد على 90% من سلته الغذائية المستوردة من الخارج، ومع ذلك، فإنه لا يزال يعاني غياب الوعي الاستهلاكي بنسبة كبيرة، حيث إن الأغلبية يقودهم التفاخر والتباهي في الإنفاق على طلب أكثر من صنف في المطعم، من أجل التقاط الصور ونشرها على مواقع التواصل، وكذلك للشركات الإعلانية دور بارز في تحفيز الفرد على التسوق المبالغ فيه، بنشرها صور «فوتوشوب» للسلع، بعيدة عن حقيقة المنتج، إلا أن المشكلة تكمن في خجل المستهلك من إعادة السلعة بعد اكتشافه عدم مطابقتها لمواصفات الإعلان.

وأشار الشامسي إلى أن كثرة العروض الترويجية والمقلدة تحديداً، تسهم في الشره الشرائي، حيث إن وجود محال بيع ب«درهم ودرهمين» لمنتجات مواد غذائية، تستقطب شريحة واسعة من المجتمع، ظناً منهم أنها أصلية وقليلة الكلفة و«فرصة» لشرائها، بسبب غياب الوعي الاستهلاكي بشكل عام في المجتمع.

وقال إن إجمالي إنفاق المستهلك على مشتريات غير ضرورية يصل إلى 50%، ما يدفعه إلى اللجوء إلى القروض الشخصية التي تزيد أزمته، في ظل غياب ثقافة ادخار 10% من إجمالي الدخل الشهري.

حلول للمواجهة

وأوضح خلف العتيبة (خبير اقتصادي) أن العادات الاستهلاكية ترتبط بالثقافة والموروث الفكري وتظهر في سلوك المستهلكين العرب بالكرم، وتجعلهم ينفقون أكثر من الدخل في بعض الأحيان، ما يسبب لهم ضائقة مالية في أغلب الأوقات.

وقال إن دخل الفرد هو الذي يحدد إجمالي الإنفاق، لكن مع الأسف وفي ظل الثقافة الاستهلاكية الخطأ، وفي حال عدم قدرة المستهلك على الإيفاء بالتزاماته، فإنه يتوجه إلى الاستدانة لتغطية العجز في نفقاته الشهرية، خاصة ذوي الوجاهة الاجتماعية، ليس من أجل التباهي بالولائم التي يقيمونها أو مشترياتهم، لكن بسبب الثقافة الاستهلاكية التي تحدد تلك السلوكيات.

وفي ما يتعلق باتهام بعض المستهلكين لمنافذ البيع في سياساتها الترويجية، بأنها المسبب الرئيسي في جذبهم للتسوق، أكد العتيبة أن توافر المنافذ والأسواق عادة يشجع على الشراء. كما أنه في ظل تسارع وتيرة التحول الاستهلاكي من التقليدي إلى الرقمي، خلال جائحة «كورونا»، أسهم في زيادة الإقبال على التسوّق «أون لاين»، بما فيه من سهولة في الشراء وسرعة في التوصيل، حيث إن 50% منهم يشترون سلعاً ليسوا بحاجة إليها، وبذلك فإن تلك الاتهامات ليست باطلة؛ لأن النمط الاستهلاكي يرتبط بعاملين هما: تفضيل بعضهم لمنتجات ذات علامة تجارية عالمية من دون النظر إلى السعر، وآخرون يبحثون عن منتجات أقل سعراً من دون الحاجة إليها.

وعن الحلول لمواجهة المبالغة في التسوّق، قال: «أهمية التوعية الاجتماعية تكمن في بناء الثقافة الاستهلاكية من مرحلة الطفولة التي تبدأ من البيت، وهو ما يحدّ من السلوكيات المتوارثة، إلى جانب دور المؤسسات التعليمية في نشر الوعي، بهدف تعزيز محاربة الظواهر الخطأ.

مواءمة الدخل

وأكد الدكتور أسامة سويدان، أستاذ الاقتصاد المشارك، رئيس قسم الاقتصاد في جامعة الإمارات، أن منافذ البيع تعمل على فكرة تأجيج الرغبة في التسوّق، بتكديس عروض السلع عند مداخل منافذ البيع، خاصة السلع الغذائية السكرية التي يكون لها تأثير إيجابي كبير في الشعور العام، بمشاهدتها قبل البدء في التسوّق، حيث تركز المنافذ على تحفيز رغبة المتسوّقين، وهذا عامل حاسم في عملية الشراء.

وقال إن الطلب على السلع الاستهلاكية يتحقق في حال توافر شرطين، القدرة المتمثلة في الدخل والرغبة التي نُعبر عنها بما يسمّى المنفعة، وهي الشعور بالرضا والسعادة عن شراء سلعة أو خدمة ما، حيث تعتمد منافذ البيع على تأجيج هذه الرغبة لتحفيز التسوق والاستهلاك. وتنجح هذه الخطة تماماً مع توافر الدخل، فتكتمل أركان التسوّق والاستهلاك على حساب أولويات الأسرة الحالية والمستقبلية؛ إذ يمكن أن تنجح هذه الخطة جزئياً حتى مع ضعف الدخل عبر الاستدانة.

وتابع: «نظرياً على الأسرة المواءمة بين دخلها الحالي والمتوقع من ناحية، واستهلاكها الحالي والمستقبلي من ناحية أخرى، مع ضرورة توجيه الرغبة بما يتفق مع القدرة. فالمبدأ العام للاستهلاك أو التسوّق المسؤول هو تحديد الأهم ثم الأقل أهمية في عملية الشراء؛ أي الانتقال نحو الضروريات والابتعاد عن السلع التفاخرية أو الكمالية.

حيث تعتمد فلسفة ترتيب الأولويات أساساً على فهم أفراد الأسرة لنمط استهلاكهم وحدوده، وبذلك تعد هذه أفضل استراتيجية لتقنين التسوّق وتوزيع الدخل. أما نجاح هذه العملية فيعتمد على مرونة أفراد الأسرة في تقبل فكرة إعادة دوزنة نوعية وكميات السلع والخدمات المستهلكة، مع تأكيد ضبط الرغبة وعدم الانصياع العشوائي لمحفزات منافذ البيع.

مغريات السوق

يوجّه عدد من المستهلكين اتهاماتهم إلى تعدّد العروض التخفيضية في المنافذ ومراكز التسوّق التي تستنزف الميزانية، وتدفعهم للوقوع في فخ المغالاة بشراء ما لا يحتاجون إليه، حيث قال إسماعيل عبد الغني (موظف بنك)، إن كثرة العروض الترويجية للسلع والتخفيضات التي تعلنها منافذ البيع، من أكثر العوامل التي تسهم في شراء سلع تفيض عن الحاجة الحقيقية للفرد، حيث تعدّ هذه العروض من المغريات التي تعزز السلوك الاستهلاكي الموجود بالفعل لدى الأغلبية.

في حين أكد عبدالحميد المروان (موظف قطاع خاص)، أن إعلانات المنافذ الترويجية من وسائل الجذب التي تدفع الكثيرين إلى الإقبال على شراء سلع هم بحاجة إليها أو تدفعهم إلى شراء كميات ليسوا بحاجة فعلية إليها، وهو بالتأكيد أسلوب خطأ للتسوّق، حيث إن الشراء اليومي للاحتياجات فقط، وبكميات قليلة، سلوك فعال للحدّ من الهدر في السلع، خاصة تلك التي لا تحتمل التخزين لمدة طويلة.

وأضاف أن تدوين ما يحتاج إليه الفرد من سلع ضمن قائمة المشتريات، هو الأسلوب الأفضل للشراء، وهو ما يحدّ من التبذير، ويعدّ شكلاً مناسباً لمقاومة العروض المغرية التي تجتاح أرفف المنافذ.

وذكرت هيفاء حاتم (محاسبة في شركة خاصة)، أن الإعلانات والعروض الترويجية التي تنتشر في الأسواق، تسهم في المبالغة في التسوّق خاصة عند السيدات؛ كونها عاملاً جاذباً لتقليل التوتر الذي تشعر به المرأة نتيجة ضغوط الحياة اليومية، إلا أنه يعمل على اقتنائها ما ليست بحاجة إليه، أو قد تكون سلعاً مكررة وموجودة أصلاً، ما يسهم في زيادة الأعباء المالية على الأسرة، ومواجهتها لأزمات تتعلق بالصرف والادخار.

وأوضحت أن الكثيرين يذهبون إلى مراكز التسوّق عند رغبتهم في الترفيه عن أنفسهم، وهو ما يدفعهم إلى الإنفاق على سلع وخدمات أكثر من المتوقع، واللجوء إلى الدفع بالبطاقة الائتمانية، وهو سلوك خطأ، يزيد معدل العجز المالي للأفراد.

وأشار عمار الأسعد (مهندس مدني) إلى أن عدم تحديد أولويات الشراء يجعل الفرد تائهاً في منفذ البيع، خاصة إذا كانت هناك عروض على السلع، بحيث يجد نفسه اشترى أكثر من حاجته؛ بل إن أغلبية المنتجات تصبح عرضة للتلف أو تنتهي صلاحية استخدامها.

وطالب منافذ البيع بتغيير أسلوبها الدعائي خلال العروض الترويجية التي ترهق جيوب المستهلكين؛ كونها فخاً يصطادهم ويجعلهم يجرون خلف العامل المظهري، ويملأون عربات التسوق بأصناف من السلع التي تحمل الكثير من المظاهر التفاخر، تعويضاً لنقص نفسي يعانونه، دون التنبّه إلى أن الأمر إسراف في الإنفاق.