عادي

«التنين في روسيا».. رحلة حرب أم «سلام»؟

23:31 مساء
قراءة 4 دقائق
بوتين وشي

كتب - المحرر السياسي:

لا شك في أن الأزمة الأوكرانية قضية ساخنة تشغل العالم بأسره، حيث تتناثر شظاياها، وتتصدر اهتمامات دوائر القرار في أغلبية دول العالم، في ظل تعميق خطوط الفصل عبر تحالفات تتحول تدريجياً من السر إلى العلن.

حرص الرئيس الصيني، شي جين بينغن على أن تترك زيارته إلى موسكو حاملاً خطة سلام مقترحة، انطباعاً لا يخرج عن الصورة العامة لبلاده كدولة محايدة تتوسط ليعمّ السلام العالم. وقد وصف زيارته بالقول «ستكون رحلة صداقة وتعاون وسلام»، وقد جدد الأمل في حل سلمي للأزمة المعقدة.

لكن تداعيات الزيارة، وما رافقها من تحركات لدى الجانب الآخر، سواء زيارة رئيس وزراء اليابان إلى كييف وتأكيد دعم بلاده لأوكرانيا، أو تأكيدات واشنطن أن الدور الصيني ليس نزيهاً، عمقت الشعور العام بأن موسكو وبكين قطعتا خلال زيارة شي شوطاً آخر على طريق التعاون الاستراتيجي، ليس في مواجهة أمريكا والغرب، بل في تأكيد تعدد القطبية العالمية، وإعادة تشكيل العالم بالطريقة التي ترى كل من بكين وموسكو أنها الأفضل.

ومنذ أن أعلنت الصين موقفها بشأن التسوية السياسية للأزمة الأوكرانية، عارضت الولايات المتحدة علناً، وبشكل متكرر، وقف إطلاق النار بين روسيا وأوكرانيا، والذي تحاول الصين والعديد من أعضاء المجتمع الدولي التوسط فيه. وهذا يعني إهدار فرصة «قد تكون الأخيرة» للتسوية، ما قد يقود الصين للانخراط في الحرب.

رفض أمريكي

وقال جون كيربي، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي، إن وقف إطلاق النار المقترح من قبل الصين «يرقى إلى «التصديق على الغزو الروسي»، ما يسمح للقوات الروسية بالبقاء في أوكرانيا، واحتلال أجزاء من دولة ذات سيادة».

لكن، حتى أوكرانيا الطرف المباشر في الحرب، تبدي اختلافاً في الرأي مع واشنطن. ففي اتصال هاتفي مع وزير الخارجية الصيني، تشين جانغ، قبل أيام قليلة من زيارة شي، قال وزير الخارجية الأوكراني، دميترو كوليبا، إن خطة سلام الصين تعكس صدقها في تعزيز وقف إطلاق النار وإنهاء الصراع.

هذه التصريحات تعبّر عن رؤى استراتيجية متناقضة للدول الفاعلة. فمن الواضح أن دول العالم كله أيقنت أن عالماً جديداً تتشكل ملامحه العامة بعد الحرب في أوكرانيا، وتستعد للتعايش مع مستجداته بما تراه ضرورياً، سوى الولايات المتحدة التي دفعت العالم نحو الحرب، ولا تزال تعيش وهم الهيمنة عليه.

ومن المؤكد أن الصراع المحتدم على الأراضي الأوكرانية يصنع تحولاً استراتيجياً في نظامنا العالمي، في حين ليس لدى الولايات المتحدة استراتيجية قابلة للتطبيق لمواجهة تبعات الحرب.

لا استراتيجية أمريكية

وتشير الوقائع المستجدة إلى أن الأزمة بلغت حد اللاعودة، مع تجدد التهديد الروسي باستخدام السلاح النووي في ردع الحلفاء الغربيين الذين تحرضهم واشنطن، في إطار الرد على نية بريطانيا تزويد أوكرانيا بأسلحة اليورانيوم المنضب.

لكن المحللين الأمريكيين يعتقدون أنه في حال اضطرت الولايات المتحدة لدخول الحرب مباشرة، فلن تكون مؤهلة للفوز فيها لأنها لا تملك استراتيجية حرب مناسبة. وتقول، ريبيكا كوفلر، الضابطة في جهاز المخابرات الأمريكي سابقاً، إن الاستراتيجية هي التي تكسب الحروب، ويجب على الولايات المتحدة التخطيط والاستعداد لخوض حرب مع روسيا.

ويبدو أن بقاء الأمور تحت السيطرة لم يعد وارداً، فبعد أن أجبرت طائرة مقاتلة روسية من طراز «سوخوي 27»، طائرة استطلاع أمريكية من دون طيار على الهبوط، ما أدى إلى تحطمها في البحر الأسود، باتت هذه أول مواجهة عسكرية بالغة الأهمية من النوع الذي كان من الممكن أن يؤدي إلى صراع مباشر بين روسيا والولايات المتحدة.

وحتى لو تمكنت موسكو وواشنطن من تجنب مثل هذا الصدام الكارثي، فإن حربهما بالوكالة في أوكرانيا، لا بد أن تغير العالم على المدى الطويل، وتتبدى معالم هذا التغيير في ثلاثة عناصر استراتيجية تجب مراقبتها:

*أولاً، يستمر تحفيز الأطراف الثلاثة في الحرب - موسكو وكييف وواشنطن - لمواصلة إراقة الدماء، بينما ينظر بوتين إلى نتيجة الحرب على أنها قضية وجودية. فروسيا، التي شهدت تقليص منطقتها العازلة مع حلف الناتو إلى أقل من 100 ميل بعد انضمام دول البلطيق إلى «الناتو» في عام 2004، وضعت خطاً أحمر فوق أوكرانيا.

ولا بد أن يؤدي انضمام السويد وفنلندا المرتقب إلى «الناتو» إلى تفاقم مخاوف روسيا الأمنية، إذا أخذنا في الاعتبار أن روسيا تشترك مع فنلندا في حدود طولها 832 ميلاً. ويكفي هذا لدفع روسيا إلى تأكيد متطلبات أمنها الاستراتيجي في المنطقة، ما يخلق بؤرة اشتعال دائمة في أوروبا.

وقد أشار التقرير السنوي الذي يصدره مكتب الأمن القومي الأمريكي حول تقييم التهديدات لعام 2023، والذي يحمل دمغة «مهم للغاية»، إلى خطر تصعيد الصراع الروسي الأوكراني إلى مواجهة عسكرية أوسع بين روسيا والغرب، وما له من تأثير دائم في زعزعة الاستقرار في أوروبا.

*ثانياً، حذر التقرير المذكور من تهديدات «معقدة» ضد الولايات المتحدة تشكلها الصين وروسيا وكوريا الشمالية وإيران. فكل دولة من هذه الدول تمثل تهديداً كبيراً لواشنطن، وفي حال التنسيق فيما بينها، فإن التهديد سوف يزداد أضعافاً مضاعفة، حسب ما ورد في التقرير حرفياً.

* ثالثاً، لقد أذهلت الصين العالم في الآونة الأخيرة، من خلال التوسط في صفقة أعادت العلاقات بين إيران والسعودية، منهية سنوات من العداء بين البلدين. هذا الانفراج الجديد يعيد تنظيم القوة في الشرق الأوسط ويقلل من نفوذ الولايات المتحدة ويقوض أمن إسرائيل.

دور بكين الجديد

ويحرص شي الذي يشجعه نجاحه الدبلوماسي، على لعب دور صانع اتفاق سلام في أوكرانيا. ويتماشى دور بكين الجديد كوسيط للسلام مع طموحات الصين الاستراتيجية المتمثلة في إزاحة الولايات المتحدة كقوة اقتصادية وعسكرية كبرى في العالم بحلول عام 2049.

وينصح محللون وأكاديميون أمريكيون الرئيس بايدن بالتفكير بشكل استراتيجي، وعلى جناح السرعة. ويرى هؤلاء أن الحرب الروسية الأوكرانية ينبغي ألا تخرج عن إطارها الإقليمي.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/562k8p4b

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"