عادي
شخصيات

لويس ألتوسير.. حارس الأيديولوجيا المتماسك

23:34 مساء
قراءة 3 دقائق

القاهرة: «الخليج»

لماذا لويس ألتوسير؟ الإجابة أنه في مجتمع مؤسَّس على اقتصاد رأسمالي، لن نستطيع فهم أدب وثقافة هذا المجتمع من دون مفكرين أمثال لويس ألتوسير، حيث اتسمت أعماله بالتأثير الشديد في الأدب والنقد في السياق الأمريكي والبريطاني منذ السبعينات من القرن الماضي، أي في عقد «الثورة النظرية» في الدراسات الأدبية، وبالفعل كان الاستخدام الدارج للفظ «نظرية» في هذه الفترة في حقل الدراسات الأدبية والنظرية النقدية، مستقى أساساً من أعماله، كما ازدهرت الفلسفات الجديدة بفرنسا في الستينات، لتتأثر بها الجامعات الناطقة بالإنجليزية في السبعينات، ومن بين هذه الفلسفات كانت أعماله الأكثر راديكالية، حيث قدمت لنقاد الأدب إمكانية استخدام نوع جديد تماماً من النقد الأدبي في ظل الأرثوذكسيات النقدية التي سادت العالم في الثلاثينات، وأبعدت السياسة عن تحليل الأدب.

مشروع ألتوسير ينقسم إلى أربع مراحل: الأولى يعبر من خلالها من مرحلة انتقالية معقدة من الهيجلية إلى الماركسية، ومن الكاثوليكية إلى الشيوعية، وبعض الأجزاء الرئيسية في هذه الفترة جمعت في كتابه «طيف هيجل» 1997، والمرحلة الثانية هي المرحلة العليا من عمله، مرحلة من الإنتاجية الشديدة، حيث يكشف عن الأطروحات المؤسسة لعلم التاريخ الذي اكتشفه ماركس، وأكثر أعماله المعروفة عن هذه الفترة هي «قراءة رأس المال» و«من أجل ماركس».

في المرحلة الثالثة يراجع التشدد النظري لأعماله المبكرة ويعرف الفلسفة بصفتها الصراع الطبقي في مستوى النظرية، والأعمال الرئيسية في هذه المرحلة «مساهمة في النقد الذاتي» و«الفلسفة وفلسفة العلماء العفوية». وفي المرحلة الرابعة ينتقد الحزب الشيوعي الفرنسي على مستوى النظرية والممارس بمرارة متصاعدة، داعياً إلى محاولة تفسير تتسم بالنقد الذاتي لأعمال ماركس والأطروحات الرئيسية لهذه المرحلة «أزمة الماركسية».

كتاب لوك فيريتر وعنوانه «لويس ألتوسير» يركز على أهمية ألتوسير في الأدب والدراسات الثقافية، ويناقش الكيفية التي مارس بها النقد الثقافي بالتوازي مع مساهماته الجمالية، ويختتم بالسيرة الذاتية الاستثنائية التي كتبها بعد وفاة زوجته «المستقبل يدوم طويلاً» والتي نشرت بعد وفاته.

ولد ألتوسير في أكتوبر عام 1918 بالقرب من مدينة الجزائر، وهو الولد الأكبر لمدير بنك ومدرس سابق، أمضى طفولته في الجزائر، وكبر في فرنسا بين مدينتي مرسيليا وليون، كان كاثوليكياً ملتزماً مخلصاً، حيث أسس حركة طلابية مسيحية وفكر جدياً في أن يصبح رجل دين.

تم استدعاؤه للخدمة العسكرية وسرعان ما أصبح سجين حرب في يونيو 1940 لينقل إلى معسكر اعتقال في شمال ألمانيا للعمل الشاق، لكنه لم يحتمل العمل، ومرض مرضاً شديداً، فعمل كممرض في عيادة المعسكر، وهذا ما أعطاه الوقت الكافي ليقرأ بتوسع في الفلسفة والأدب، واستأنف دراسته بعد انتهاء الحرب، ليشرع في كتابة أطروحة الماجستير عام 1947 وكان موضوع الدراسة عن هيجل، وتمت ترقيته ليصبح مدرساً للفلسفة.

وصف المؤرخ إيريك هوبزباوم مشروع ألتوسير بأن «جيلاً جديداً من الثوار يتطلب نسخة جديدة من الأيديولوجيا الثورية، وألتوسير هو بالأساس حارس أيديولوجي متماسك، يتحدى اللين السياسي والثقافي من حوله».

كان يعاني اضطراباً ثنائي القطب، طوال فترات طويلة من الاكتئاب الشديد، تبعتها مراحل جنونية على مدار حياته، وقدرت الفترة الزمنية التي أمضاها في المصحات النفسية بثلاثة عشر عاماً، ومنذ عام 1963 خضع للتحليل النفسي بشكل منتظم، وكان مقتنعاً بالأهمية العلاجية لهذه الممارسة، ولذلك أظهر اهتماماً نظرياً ملحوظاً بها.

في نوفمبر 1980 وبعد أشد نوبات الاكتئاب التي مر بها قام بخنق زوجته، رفيقته لأكثر من ثلاثين عاماً حتى الموت، كانت عالمة اجتماع وعضواً سابقاً بحركة المقاومة الجزائرية.

في وسط خلافات الرأي العام، اعتبر ألتوسير غير مؤهل للمحاكمة بسبب حالته العقلية، التي جعلته غير مسؤول عن أفعاله، وأمضى الأعوام الثلاثة اللاحقة في المستشفيات النفسية، وأنهى مساره المهني كمدرس وكاتب، لكنه استمر في الكتابة في العشرة أعوام الأخيرة من حياته، واستمر تفكيره الفلسفي في التطور، وقام بنشر سلسلة من الحوارات مع الفيلسوفة المكسيكية فرناندا نافارو في المكسيك عام 1988.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2au4vsan

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"