عادي

الرسول يرضي الأنصار بأجمل هدية

00:30 صباحا
قراءة 4 دقائق

جبر الخواطر عند رسول الله، صلى الله عليه وسلم، خلق إسلامي عظيم، يدل على سمو نفسه، وعظمة قلبه، ورجاحة عقله. بهذا الخلق، يجبر النبي نفوساً كُسرت، وقلوباً فطرت، وأرواحاً أزهقت، وأجساماً مرضت.

وجبر الخواطر عبادة وطاعة لله، تعالى، وجبر النفوس من الدعاء الملازم لرسول الله، صلى الله عليه وسلم؛ إذ كان يقول بين السجدتين «اللهم اغفر لي وارحمني واهدني واجبرني وارزقني». و«جبر الخواطر» صفة من صفات الأنبياء، فهم يتسمون بحسن المعاملة وطيبة القلب. وسُئل الرسول، صلى الله عليه وسلم، عن أكثر الأفعال التي يدخل بها الإنسان الجنة، فقال: «التقوى وحسن الخلق»، وجبر الخاطر من حسن الخلق، وصفة إسلامية وإنسانية عظيمة، ولا تصدر إلا من صاحب القلب الطيب والأخلاق الحسنة، فهي مداواة للقلب.

يذكر حنفي المحلاوي في كتاب «أيام الله» أن أحداث «غزوة حنين» وافقت السابع من شهر شوال، من السنة الثامنة من الهجرة، ودارت رحاها في وادي حُنين، وكان عدد المسلمين الذين اجتمعوا في المعركة اثنا عشر ألفاً، توزعوا بين عشرة آلاف من أهل المدينة، وألفين من أهل مكة.

كان فتح مكة كما قال ابن القيم‏:‏ «الفتح الأعظم الذي أعز الله به دينه ورسوله وجنده وحزبه الأمين، واستنقذ به بلده وبيته الذي جعله هدياً للعالمين، من أيدي الكفار والمشركين، وهو الفتح الذي استبشر به أهل السماء... ودخل الناس به في دين الله أفواجاً».

وكان لهذا الفتح الأعظم رد فعل معاكس لدى القبائل العربية الكبيرة القريبة من مكة، وفي مقدمتها قبيلتا (هوازن) و(ثقيف)، فقد اجتمع رؤساء هذه القبائل، وسلموا قيادة أمرهم، إلى مالك بن عوف سيد (هوازن)، وأجمعوا أمرهم على المسير لقتال المسلمين، قبل أن تتوطد دعائم نصرهم، وتنتشر طلائع فتحهم، وانتصر المسلمون انتصاراً عظيماً على قبيلتي هوازن وثقيف. تفرق العدو حين هزيمته فمنهم من ذهب إلى الطائف، ومنهم إلى نخلة، ومنهم إلى أوطاس؛ فأرسل رسول الله مجموعة من المطاردين إلى أوطاس بقيادة أبي عامر الأشعري واقتتل الفريقان، وانتهى بهزيمة الكفار، وبلغ عدد قتلاهم سبعين رجلاً من ثقيف فقط، وحاز المسلمون غنائم كبيرة من هوازن.

وبعد المغانم الكثيرة التي حققها المسلمون في المعركة، عاد النبي إلى الجعرانة وهو موضع بين الطائف ومكة ومعه الغنائم ومكث فيها ثلاث عشرة ليلة آملاً في إسلام القبائل، ثم جاء إليه وفد من هوازن الذين قد أسلموا ليأخذوا أموالهم وسبيهم، وخيّرهم رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - بينهم واختاروا سبيهم، فخاطب - عليه الصلاة والسلام- المسلمين أن من استطاع أن يرد السبي مجاناً فليفعل، ومن أراد أن يأخذ نصيبه منها فليقل حتى نعطه مما نحصل عليه من الحرب بدون قتال، وانتهى تقسيم الغنائم بعفو النبي - صلى الله عليه وسلم- وإحسانه مع قبائل هوازن وثقيف.

من تداعيات هذه المعركة، ما كان من مسألة تقسيم الغنائم. وكانت هذه القسمة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، مبنية على سياسة حكيمة، لكنها لم تُفهم أول الأمر، فأطلقت ألسنة شتى بالاعتراض‏، والقيل والقال، وحاصل خبر تداعيات تقسيم الغنائم، ما رواه ابن إسحاق عن أبى سعيد الخدري رضي الله عنه، قال‏:‏ لما أعطى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، ما أعطى من تلك العطايا في قريش وفي قبائل العرب، ولم يكن في الأنصار منها شيء.

بعد غزوة حُنين يضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة والمواقف في «جبر خواطر» الأنصار، ويرضيهم ويهديهم أجمل هدية؛ حيث إنه لما أعطى صلى الله عليه وسلم ما أعطى من تلك العطايا، في قريش وفي قبائل العرب ولم يكن في الأنصار منها شيء وجد هذا الحي من الأنصار في أنفسهم، حتى كثرت منهم القالة وقال قائلهم: لقي والله رسول الله قومه، فدخل عليه سعد بن عبادة، فقال: يا رسول الله، إن هذا الحي من الأنصار قد وجدوا عليك في أنفسهم، لما صنعت في هذا الفيء الذي أصبت، قسمت في قومك، وأعطيت عطايا عظاماً في قبائل العرب، ولم يك في هذا الحي من الأنصار منها شيء.

فقال صلى الله عليه وسلم: فأين أنت من ذلك يا سعد؟ قال: يا رسول الله، ما أنا إلا من قومي. قال: فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة. قال: فخرج سعد، فجمع الأنصار في تلك الحظيرة. قال: فجاء رجال من المهاجرين فتركهم، فدخلوا، وجاء آخرون فردهم، فلما اجتمعوا له أتاه سعد، فقال: قد اجتمع لك هذا الحي من الأنصار، فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: يا معشر الأنصار: ما قاله، بلغتني عنكم، وجدة وجدتموها عليَّ في أنفسكم؟ ألم آتكم ضلالاً فهداكم الله، وعالة فأغناكم الله، وأعداء فألف الله بين قلوبكم قالوا: بلى، الله ورسوله أمن وأفضل. ثم قال: ألا تجيبونني يا معشر الأنصار؟ قالوا: بماذا نجيبك يا رسول الله؟ لله ولرسوله المَنّ والفضل. قال صلى الله عليه وسلم: أما والله لو شئتم لقلتم، فلصدقتم ولصدقتم: أتيتنا مكذباً فصدقناك، ومخذولاً فنصرناك، وطريداً فآويناك، وعائلاً فآسيناك، أوجدتم يا معشر الأنصار في أنفسكم في لعاعة من الدنيا تألفت بها قوماً ليسلموا، ووكلتكم إلى إسلامكم، ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير، وترجعوا برسول الله إلى رحالكم؟ فوالذي نفس محمد بيده، لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار، ولو سلك الناس شعباً وسلكت الأنصار شعباً، لسلكت شعب الأنصار. اللهم ارحم الأنصار، وأبناء الأنصار.

قال: فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم، وقالوا: رضينا برسول الله قسماً، وحظاً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2s4en7h9

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"