مخاوف أوروبا من رد روسيا لو هُزمت

00:19 صباحا
قراءة 3 دقائق

عاطف الغمري

هذه الكلمات تتردد الآن بقوة بين الباحثين والمحللين المتابعين لحرب أوكرانيا والتي تقول: إن الهزيمة في الحرب هي المعلم الأكثر تأثيراً من الفوز بالنصر.

وهو ما يعكس معنى السؤال الذي يلح على تفكير الأوروبيين: ما الذي ستفعله روسيا لو أنها هزمت في الحرب؟

ويقدم تحليل لشبكة «سي أن أن» الأمريكية نوعاً من الإجابة التقريبية ويقول: إن أوروبا تتعامل الآن مع المجهول. وأن الشيء الذي يصعب تخيله هو القول إن روسيا قد خسرت الحرب. فهذا تصور سابق لأوانه. ولا تزال هناك بدائل للنصر أو الهزيمة، منها إمكان تجميد الوضع الحالي، وهو أمر قد يريح روسيا. أو ربما يفقد حلف الناتو الصبر تحت تراجع قوة احتماله للاستمرار في تحمل كلفة إمداداته لأوكرانيا بالسلاح، والأموال، ومختلف أنواع الدعم، بينما يتضاعف ملل شعوب أوروبا من فرط تحملها تبعه صراع يلوح في عينيها طويل الأجل، وبلا نتيجة ظاهرة لتحسمه نهائياً.

 ثم إن التوقعات التي افترضت هزيمة روسيا هي مجرد تصور عام غير مضمون النتائج، وهي بلا ملامح ظاهرة. فكيف ستقبل العسكرية الروسية الخسارة أمام عدو أقل منها؟ وإن كان ذلك يبدو مستبعداً حتى الآن. لأن العسكرية الروسية سوف تحشد جميع قدراتها لاستعادة هيبتها حتى ولو استمر النزاع لسنوات.

 ولا يزال هناك سؤال أمام أنظار الجميع ولا أحد يعرف إجابة عنه. وهو احتمال اللجوء إلى السلاح النووي، وهو ما ردده بوتين مراراً، فإن احتمال استخدامه ولو كرد انتقامي لا تزال تلوح أشباحه، أمام ما تحسبه روسيا تعمد من الغرب لإلحاق الأذى بها.

إن النصر في نظر بوتين– حسب تشخيص مؤسسة كارنيجي الأمريكية– يعنى القتال من أجل الوجود. ولذلك فهو قد وجه إنذاراً للغرب في خطاب له بقوله: «من المستحيل تخيل هزيمة روسيا في معارك قتالية».

 وأضافت كارنيجي بأن بوتين كان يحذر من أن أي نية للتفكير في هزيمة روسيا، سوف تجعل الحرب طويلة وممتدة، وسينتج عنها زعزعة الاستقرار واسع النطاق على مستوى العالم كله. ودون أن تنتهي الحرب بتحقيق نصر على روسيا.

وهو نفس المعنى الذي طرحه مركز أتلانتيك كونسيل الأمريكي والذي تشارك فيه دول عضو بالناتو، من أن بوتين يعني بما جاء في خطابه أنه يستعد لحرب طويلة.

 وتصف جامعة كمبريدج البريطانية الأجواء التي تحيط بتلك الافتراضات والتوقعات، بأنها تتم في أجواء وصلت فيها الحرب إلى درجة الاستنزاف المتبادل والشرس.

 وهو وصف يقترب منه تقدير جاك والتينغ وهو من كبار المتخصصين في بريطانيا في الحروب البرية، ويقول إن ما نراه هو مشهد العسكريين المتقاتلين من الجانبين والذين تطوقهم حرب استنزاف مراوغة، تزداد كل يوم تعقيداً، بحيث صارت كل أبواب النصر مسدودة أمامهم.

أيضاً يرسم المحلل العسكري الأمريكي ويليام أستور صورة تقريبية للغموض الذي يغلف قرارات إدارة تلك الحرب من على جانبيها، وهو يرى أن أحداً من قادتها لم يحدث أن شرح لشعبه الهدف الحقيقي الذي يقاتلون من أجله. فكلهم يتحدثون عن أن أنهم يقاتلون من أجل قضايا نبيلة، بينما ما نراه أنها حروب مخزية، يقتل فيها الناس وتدمر المدن. وكل منهم يتهم الآخر بأنه هو الذي يرفض التفاوض على حل سلمي. ومن خلفهم الإعلام يدق طبول الأكاذيب.

ويكمل تفاصيل الصورة الغامضة لما يجري، الجنرال الأمريكي مارك ميللي بقوله إن أي نصر عسكري في حرب أوكرانيا ليس متوقعاً، فقد دخل المتحاربون في أنفاق الاستنزاف المظلمة. ولم يعد أمامهم سوى المفاوضات فهي الطريق الوحيد الممكن للخروج من هذا النفق إلى النور.

ومن ناحيتها ترى جامعة كمبريدج البريطانية في دراسة لها أن حرب استنزاف متبادل تزداد كل يوم تعقيداً، وليس أمام أطرافها مخرجاً لنصر عسكري. وإن الحرب لن تتوقف عند حدود كونها حرب استنزاف بصورتها الحالية؛ بل يمكن أن تكون مقدمة لنزاع يتمدد أكثر فأكثر، وبشراسة مقيتة.

 وفي أوروبا التي شغلت بداية بالسؤال عما ستفعله روسيا لو أنها هزمت في حرب أوكرانيا، فإن الأصوات تتصاعد فيها الآن لخبراء، وسياسيين، وقطاعات من الرأي العام، وكأنها تدق أجراس التنبيه، إلى أن التحدي الأكبر أمام أوروبا يتمثل في إيجاد مخرج من الدائرة المغلقة التي حصر الغرب نفسه داخلها، والتي جعلته في حالة إنكار تكسو نظرته التشوش.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5a2jwa5a

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"