انكسار غربي في إفريقيا

01:02 صباحا
قراءة دقيقتين

لم تحظ جولة نائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس في ثلاث دول إفريقية، هي غانا وتنزانيا وزامبيا، باهتمام كبير، إعلامياً وشعبياً، كما جرت العادة مع أسلافها في الإدارات السابقة، عندما يحطون الرحال في القارة السمراء. وما حدث مع هاريس حدث قبلها في جولة وزير الخارجية أنتوني بلينكن قبل أسابيع. وفي كلا الجولتين كرر المسؤولان الأمريكيان نفس الشعارات المألوفة، عن تقديم المساعدات وحماية حقوق الإنسان وإدانة الاستعمار السابق، وتجارة الرقيق، ومكافحة الأمراض والأوبئة، والتصدي للإرهاب والجرائم المنظمة.

على مدى عقود طويلة شبع الأفارقة، حد التخمة، من التعهدات الغربية، التي اتسمت بقدر كبير من التعالي، دون أن يتحقق شيء كبير منها. وبعد طول صبر ومعاناة، لم تعد دول مثل الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، عنواناً جاذباً، ولا موضع ثقة للحكومات الإفريقية، بل إن هناك عدداً من القادة الجدد في أنغولا والكونغو الديمقراطية ومالي وبوركينا فاسو، يخوضون تمرداً رسمياً على الماضي وعلى سياسات أسلافهم، وكأنهم يستكملون ما بدأه زعماء التحرر من أمثال: باتريس لومومبا، وجومو كينياتا، وكوامي نكروما، وهم زعماء تورطت القوى الغربية في تصفيتهم جسدياً وسياسياً من أجل إبقاء الهيمنة على دول القارة السوداء، حتى بعد أن نالت استقلالاً مزعوماً لم يحررها مطلقاً من سياسات الاستغلال والنهب والتآمر.

قبل أسابيع حاول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تدارك تدهور ثقة الأفارقة في بلاده وحلفائها، وأعلن في كينشاسا انتهاء حقبة «فرنسا الإفريقية»، وتأسيس نمط جديد من العلاقات يقوم على الشراكة والتكافؤ والندية، ولكنها فكرة لم تنطل على أحد، وجوبهت برفض وانتقادات شديدة، لأن مبدأها وغايتها ليس مساعدة الدول الإفريقية، بل مواجهة روسيا والصين اللتين تكتسحان كل دول جنوب الصحراء، وتلقيان ترحيباً ورضى يثيران الريبة والشك في الغرب. ومن دون مقدمات، فقد أصبح نفوذ موسكو وبكين يتعاظم بسرعة منذ بدء الحرب في أوكرانيا العام الماضي، وقدمتا مساعدات كبيرة لدول عدة من دون ضجيج إعلامي، كذاك الذي يحبذه الغربيون عند تقديم مساعدة، ولو يسيرة، لأي دولة إفريقية فقيرة. ومن الواضح أيضاً أن السياسات الصينية والروسية تلقى قبولاً، لدى الأوساط الشعبية، بدليل التظاهرات الكبيرة المؤيدة لموسكو في عواصم إفريقية، لما يرونه من دور روسي في دعم الاستقرار، ووقف دوامة الانقلابات العسكرية، والتصدي لحركات التمرد والإرهاب. ويوازي هذه المشاعر حالة رضى عامة عن مشاريع التنمية الصينية وحرص بكين المبدئي على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وهو عكس ما تفعله الدول الغربية، وتشهد عليه أزمات وحروب، ظلت تنخر عقوداً، عدداً من دول القارة.

كبرياء الغرب تنكسر في إفريقيا، هذه حقيقة واضحة، ولا تحتاج إلى دليل. وأغلبية الشعوب الإفريقية والنخب الجديدة منها استعادت من الذاكرة الميراث الغربي السيئ من استعمار واستعباد ومذابح وسياسات تفقير ونهب، بينما النظرة إلى القطب الآخر المتمثل في روسيا والصين، فمختلفة تماماً، وتؤكد أن المواقف والتفاعلات التي تجري في إفريقيا أشبه بالمرآة العاكسة لتحولات النظام الدولي، فتلك القارة توصف بأنها «مستقبل العالم»، وما يجري فيها بعض من ذلك المستقبل.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2h6nhpfh

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"