لا يبدو أن زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الصين قد حققت أهدافها بشأن الحرب في أوكرانيا، إذ لم يتم الإعلان عن مبادرة مخصوصة لإنهاء الصراع، باستثناء كلام عام دعا إلى ضرورة وقف إطلاق النار واحترام القانون الدولي وحماية المدنيين، وهو خطاب لا يقدم ولا يؤخر، ولا يحقق أي اختراق في هذه الأزمة الملتهبة.
قبل سفره، تعهد ماكرون بدفع بكين إلى التوسط لتحقيق السلام في أوكرانيا، وبعد أن التقى الزعيم الصيني شي جين بينغ، تراجعت نبرة التفاؤل، وهناك علامات كثيرة تدل على أن الزيارة لم تكن موفقة في أي من ملفاتها، وهي الأزمة الأوكرانية والعلاقات بين الصين وفرنسا والتكتل الأوروبي أيضاً. وأظهر اللقاء الثلاثي، الذي جمع ماكرون وشي ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، أن التباعد الواسع بين السياسيين الجالسين على الطاولة الكبيرة المستديرة، يؤكد تباعد المواقف والسياسات، فضلاً عن غياب الدفء والانسجام في العلاقة بين الصين والقوى الغربية مجتمعة.
والتباعد بين شي وضيفيه يعيد إلى الذاكرة المائدة الطويلة، التي وضعها الكرملين عندما استضاف الرئيس فلاديمير بوتين وماكرون العام الماضي ضمن محاولات فاشلة لإنهاء أزمة أوكرانيا، وإذّاك دار جدل حول المائدة الطويلة ومقاصد التباعد، وها هي الصورة ذاتها تتكرر في بكين متجاوزة كل حدود العفوية. فهذه الحركات القادمة من بكين وموسكو لا يمكن أن تكون خالية من الدلالات، بل تحمل مواقف سياسية ورسائل، تؤكد أن هناك تباعداً سياسياً ونفسياً حقيقياً بين القوى الغربية والشرقية، وأن بكين وموسكو لم تعودا في وارد التغاضي عما تريانه تجاوزات ومساعي فجة تقودها الولايات المتحدة ودول «الناتو» لتثبيت الهيمنة الغربية على العالم كله، ومحاولة خنق الصين وروسيا ومنعهما من التصرف كقوتين عظميين أو كقطب دولي له هيبته ودوره ومفاعيله.
الزيارة الفرنسية الأوروبية إلى الصين لم تكن موفقة، على الرغم من محاولات التهوين من الخلافات، لكن بكين لا تثق في السياسات الغربية المتحالفة ضد بكين وموسكو. ففي الوقت الذي كان فيه ماكرون وفون دير لاين جالسين مع شي جين بينغ، كان التوتر على أشده بين بكين وواشنطن حول تايوان، إذ اندفعت قوات صينية في مناورات بحرية واسعة النطاق حول الجزيرة التي تطالب بها بكين وتدعمها واشنطن. ويعرف المسؤولون الصينيون، والروس أيضاً، أن نظراءهم الغربيين يوزعون الأدوار بين بعضهم بعضاً، وينقسمون في الأزمات إلى صقور وحمائم و«وسطاء طيبين»، من أجل الحفاظ على المصالح المشتركة.
إذا كانت هناك نتيجة لزيارة ماكرون إلى الصين، فقد أثبتت أن العالم قد أصبح متعدد القطبية فعلاً، وأن بكين، التي ظلت لعقود منكفئة خلف حدودها وفي إقليمها، لم تعد كذلك الآن، وهي مثلما تريد أن يكون لها دور في استقرار العالم وحماية القانون الدولي، لا تريد أن تكون أداة بيد الغرب تجبر روسيا على وقف حربها في أوكرانيا، كما لا تستطيع أن تمالئ الأوروبيين وتتغاضى عما تعتبره استفزازات من الأمريكيين حول تايوان. واستمرار هذه الازدواجية سيذكي التباعد بين الشرق والغرب، ويقطع التواصل البناء من أجل استقرار العالم وإنهاء أزماته المتوالية.