في مسألة الإبلاغ غير المالي للشركات

22:41 مساء
قراءة 4 دقائق

فرحات علي خان *

لا يختلف أحد على أن الإبلاغ المالي هو أساس إدارة أي شركة ناجحة، لكن الإبلاغ غير المالي على الجانب الآخر لا يقل أهمية إذا أرادت الشركة تقديم صورة متكاملة وفهماً شاملاً لطبيعة عملياتها.

في عالمنا اليوم الذي تتسم بيئة الأعمال التجارية فيه بخطواتها السريعة والتنافسية الشديدة، يزداد تطلع المستثمرين وأصحاب المصلحة بما في ذلك الموظفون لما هو أبعد من مجرد الأرقام المالية أو المحصلة النهائية، بل يسعون جميعاً لاكتساب نظرة شاملة تعكس طبيعة الأداء، والأهم من ذلك معرفة مسار النمو وآفاقه. يقودنا ذلك إلى السؤال التالي، كيف يمكن للشركات اكتساب ميزات تنافسية بتحقيق التكامل بين الإبلاغ المالي وغير المالي.

الإبلاغ غير المالي مفهوم شديد الاتساع، يضم في طياته حقوق الإنسان ورفاهية العاملين والشمول والمشاركة المجتمعية. كما يتضمن هذا المفهوم المشكلات البيئية والاجتماعية والحوكمة (ESG)، وسعيًا لإمداد أصحاب المصلحة بنظرة عامة شاملة عن الأداء غير المالي للشركة وما يجابهها من مخاطر ويلوح لها من فرص، يتمثل دور التقارير غير المالية في أداء مجموعة متنوعة من المهام، من بينها تحقيق مبادئ الشفافية والمساءلة وإدارة المخاطر والحفاظ على السمعة، فضلًا عن تيسير اتخاذ القرارات الإستراتيجية والدفع في اتجاه تحسين الأداء وتعزيز الابتكار وغير ذلك من جوانب أخرى متعددة.

إن تحسين الإبلاغ غير المالي لمصداقية الشركة وسمعتها لا يمثّل سوى فائدة وحيدة من بين فوائد متعددة أخرى. فالشركات التي تفصح بوتيرة متزايدة عن معلومات المخاطر البيئية والاجتماعية والحوكمة (ESG) تظهر لأصحاب المصلحة التزامها باتباع أفضل الممارسات الأخلاقية والمستدامة في أداء الأعمال.

وفقاً لنتائج المسح الذي أجرته «بي.ديليو.سي» الذي استطلع آراء المستهلكين والموظفين والتنفيذيين؛ فإن 91% من قادة الشركات يؤمنون بأن شركاتهم لديها مسؤولية تجاه موضوعات البيئة والمجتمع والحوكمة (ESG)، بينما يفضل 86% من الموظفين تقديم الدعم أو العمل لدى شركات تشاركهم الاهتمام بنفس الموضوعات. توضح لنا هذه الأرقام مدى أهمية الإبلاغ غير المالي، وكيف أنه لم يعد خياراً أمام الشركات بل ضرورة كي تتمكن من التنافس على نطاق عالمي.

فضلًا عن كون الإبلاغ غير المالي من بين أفضل الممارسات المتبعة في المجال، فإن التكامل بتضمينه في تقارير الشركات يحظى بالمزيد من التأييد بفضل تزايد المتطلبات التنظيمية والرقابية.

وأصبح الإبلاغ عن المعايير غير المالية وأهداف البيئة والمجتمع والحوكمة (ESG) جزءاً لا يتجزأ من جهود المساعدة في تعزيز النوايا الحسنة وتنمية الروابط طويلة الأمد مع أصحاب المصلحة الرئيسيين. من بين المعتقدات السائدة أن اتباع نهج موحد لإعداد تقارير الإبلاغ المالي وغير المالي، مع تبني نهج يُركّز على تحسين الجانب غير المالي للشركات من شأنه في الأرجح أن يؤثر إيجابياً في المكون المالي على المدى الطويل.

وكذلك فإن القدرة على مساعدة الشركات على تحديد مواضع الضعف الجديرة بالتطوير تمثّل أحد أهم المزايا الأخرى للإبلاغ غير المالي، حينها قد يمكن للشركات اكتشاف فرص جديدة لتوفير النفقات وزيادة كفاءة العمليات وتعزيز الاستدامة؛ وذلك بالإبلاغ عن مؤشرات البيئة والمجتمع والحوكمة (ESG) المهمة، بما في ذلك استهلاك كل من الطاقة والمياه وما يصدر من انبعاثات كربونية. كما يمكن للشركات معرفة المناطق التي بها قصور وبحاجة لإجراءات تصحيحية عبر الإبلاغ عن أمور مثل حقوق الإنسان ورفاهية العاملين. في حين يقدّم الإبلاغ المالي معلومات قيمة تتعلق بالأداء المالي للشركة، لكن مثل هذه المعلومات لا تكشف إلا جزءاً محدوداً للغاية من القصة الكاملة، فبتحقيق التكامل بين الإبلاغ المالي وغير المالي، يمكن للشركات عرض العمليات التشغيلية وطبيعة الأداء والفرص المستقبلية عرضاً أكثر شمولاً.

من بين السبل المتاحة لتحقيق التكامل بين الإبلاغ المالي وغير المالي، يأتي تضمين مصفوفة أهداف البيئة والمجتمع والحوكمة (ESG) ضمن تقارير الإبلاغ غير المالي. من شأن هذا النهج تمكين المستثمرين وأصحاب المصلحة من رؤية الأداء المالي للشركة في سياق أعم يتعلق بأدائها وفق مؤشرات البيئة والمجتمع والحوكمة (ESG)، ما يبرز صورة أكثر شمولًا للشركة وأنشطتها.

كما يمكن للشركات الجمع بين الإبلاغ المالي وغير المالي عن طريق إصدار تقرير متكامل يعطي تقييماً مستفيضاً لأداء الشركة من جميع النواحي. وبالتالي يجمع هذا التقرير المتكامل بين الجانبين المالي وغير المالي، بهدف تقديم استعراض حقيقي لطبيعة أداء الشركة وما تواجهه من تحديات وما يلوح لها من فرص.

يجب علينا ألا نغفل أن التطوّع بالدمج السنوي لتقارير الإبلاغ غير المالي مع تقارير الإبلاغ المالي التقليدية يمكنه أن يساعد الشركات على الوفاء بالالتزامات الوطنية والدولية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، مع وضع المزيد من التركيز على معالجة أزمة المناخ.

ختاماً؛ فإن عملية الإبلاغ غير المالي قد تطورت لتصبح عنصراً حاسماً لإدارة شركة ناجحة مع الالتزام بالمعايير الدولية. يمكن للشركات تحسين صورتها ومصداقيتها بتزويد أصحاب المصلحة بصورة شاملة عن طبيعة الأداء والمخاطر والفرص ذات الصلة بالأعمال. فمن شأن تزويد أصحاب المصلحة بصورة أكثر تكاملاً عن العمليات التشغيلية للشركة ومستويات الأداء والتوقعات المستقبلية عبر الإبلاغ المالي وغير المالي أن يسهم في تحسين عملية اتخاذ القرار، بالإضافة إلى تعميق الثقة وزيادة مستويات الربحية. حان الوقت أن تدرك الشركات قيمة الإبلاغ غير المالي والعمل على تضمينه ضمن عملياتها جنباً إلى جنب مع الإبلاغ المالي سعياً لمزيد من النمو والنجاح على المدى البعيد.

* الشريك الإداري، «سينشري ماكسيم إنترناشونال»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/he43p7wh

عن الكاتب

الشريك الإداري، «سنشري ماكسيم إنترناشونال»

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"